واحة الغروب للروائي بهاء طاهر رواية متوسطة القيمة (4/1) / د.إبراهيم عوض
كتب   مدير الموقع  نشر فى : Mar 06, 2023   طباعة   أرسل لصديق  أرسل لصديق 
قول على قول

 

 

(هذه الدراسة مهداة إلى روح العقاد والرافعي والمازني وزكي مبارك ومحمود شاكر)


د.إبراهيم عوض

 

 

منذ عدة أسابيع نشر لي موقع "محيط" دراسة نقدية لرواية الدكتور يوسف زيدان: "عزازيل"، فعَلَّقَ قارئ كريم يقترح أن أتناول بالنقد أيضا رواية "واحة الغروب" للأستاذ بهاء طاهر. وكان شيطان النقد الملعون غافيا فوق كتفي آنذاك، وكنت حريصا على ألا أوقظه عملا بالمثل القائل: "نوم الظالم عبادة"، إلا أن طلب الأستاذ لؤيّ الشامي، المعلِّق السالف الذِّكْر، لم يَدَعْنِي أهنأ بنوم الشيطان الرابض على كتفي، فشمرت عن ساعد الجِدّ في الحال، وفكرت في الكتابة عن "واحة الغروب"، ونجحت في الحصول على نسخة من تلك الرواية في نفس الليلة التي قرأت فيها التعليق المذكور، وشرعت في قراءتها، فكانت هذه الدراسة التي يتضح منها أن الرواية التي نحن بصددها هي عمل متوسط القيمة.


وكنت قرأت قبل سنوات رواية الأستاذ بهاء طاهر الأخرى: "خالتي صفية والدير"، فوجدتها أيضا رواية متوسطة القيمة لا تتناسب والضجة المُصِمّة التي صاحبت ظهورها وتحويلها إلى مسلسل آنذاك.

ولكنْ قبل الدخول في نقد القصة علينا أولاً أن نعطي القراء فكرة سريعة عنها كي يستطيعوا متابعة الملاحظات النقدية عن بصيرة وبينة بقدر الإمكان، فنقول: إن الرواية تعود بنا إلى نهايات القرن التاسع عشر عقب ما يسمى في الاصطلاح الشعبي بـ"هوجة عرابي"، وسقوط مصر تحت سنابك الاحتلال البريطاني، بادئة بنقل ضابط البوليس المصري محمود عبد الظاهر من القاهرة إلى واحة سيوة التي ترفض أن تدفع الضرائب المفروضة عليها للحكومة.

وقد اصطحب عبد الظاهر، الذي أصبح مأمورا في مكانه الجديد، زوجته كاثرين الأيرلندية الشّغوفة بالآثار وتعلُّم اللغات، والتي كانت تريد أن تبحث هناك عن مقبرة الإسكندر الأكبر، ليجدا نفسيهما منذ البداية في عالمٍ جديدٍ عليهما، ومغلقٍ تماما في وجهيهما. وقد قرأت أن المؤلف قد أقام لبعض الوقت في واحة سيوة، التي تبعد عن القاهرة 830 كيلومترا بغية التعرّف عن كَثَبٍ إلى الناس وعاداتهم وتقاليدهم وحياتهم اليومية، وهو ما فعلت بعضا منه حين سافرت أنا أيضا إلى سيوة بعد قراءة الرواية، وقضيت يوما ممتعا هناك.

وتبدأ الرواية في شيء من الغموض لا داعي له، فنحن لسنا أمام جريمة قتل أو سرقة نتحسس طريقنا نحو كشف معمَّياتها في الظلام بحذر وحيرة، بل كما سوف نعرف فيما بعد: إزاء نقل ضابط من موقعه بالقاهرة إلى واحة سيوة. وكان ينبغي أن يكون الكلام واضحا منذ البداية لأن معرفتنا بحقيقة الأمر بعد هذا لا تثمر راحة بال بعد تشوق ولهفة، بل تجعلنا نتنهد حسرة على تضييع المؤلف وقته ووقتنا في موضوع لا يستحق كل هذا التعليق للأنفاس. والمؤلف البارع لا يلجأ إلى مثل هذه الحيلة لتشويق قرائه، أو بالأحرى: لا يسقط في هذا الفخ الذي لا يصح أن يقع فيه روائي محترف، بَلْهَ روائيا مبدعا.

إن الرواية تبدأ بحديث محمود عن نفسه وعن زوجته، التي يؤكد أنها شجاعة فعلا كما قيل له، وعن رحلة سيقومان بها تحفها الأخطار، وإن كان هو رغم ذلك كله لا يبالي شَرْوَى نَقِيرٍ بشيء من ذلك، كما أن هناك إشارة إلى الأميرالاي سعيد والصداقة التي كانت تربط بينه وبين الراوي، ثم أصابها الفتور.

ولكن مَنْ محمود بالضبط؟ وما طبيعة الرحلة التي سيقوم بها؟ وما هي الأخطار التي تنتظره فيها؟ سوف يأخذ الأمر وقتا قبل أن تنجلى تلك الأمور التي ليس من طبيعتها أن تكون فيها معميات أو ألغاز، بل الكاتب هو الذي أرادها أن تكون كذلك ودَفَع الراوى دفعا إلى انتهاج هذا السبيل الذي لا يتسق مع طبيعته كروائىٍّ المفروضُ أنه يفتح صدره لنا نحن القراء ويبثنا شكواه وضيقه. فكيف يعمل على تحييرنا منذ البداية وتطاوعه نفسه على أن يلاعبنا "حاورينى يا كيكة"، وبخاصة أن الموضوع لا يستحق شيئا من هذا كما قلنا؟

نحن هنا بإزاء رواية تاريخية سياسية واجتماعية، ولسنا في رواية بوليسية من روايات أجاثا كريستي حيث يقوم كل شيء على الغموض وتحيير القارئ وتشكيكه في كل شيء، وفي كل شخص وتعليق أنفاسه من أول الرواية إلى آخرها، وإلا باخت الطبخة، وانصرف القراء عن المطالعة. أما هنا فالفن يكمن، أقصد أنه ينبغي أن يكمن، في طرح القضايا الإنسانية التي تشغل البشر وتستولي على مجامع القلوب منهم، وفي تصوير البيئة، وفي تحليل الشخصيات، والمقابلة بين طبائعها وأفكارها وتصرفاتها، وإقامة حوار بينها فكراً ولغةً وسلوكاً، والتدسس إلى النفوس، واستخراج مكنوناتها البعيدة التي لا يصل إليها إلا أقلام المبدعين الحقيقيين.

بل إننا حتى في روايات كريستي نُلْفي أنفسنا منذ البداية أمام جريمة قتل لا شك في ذلك، لكن الفاعل مجهول، وفي ذات الوقت يحوم الشك حول الجميع، وتقوم عقدة الرواية على معرفة القاتل الذي لا نعرفه دائما إلا في آخر الرواية مع لهاثنا العقلي طوال الوقت جرياً وراء معرفته قبل أن تكشف لنا الكاتبة حقيقته، وهيهات!.

ويبدو أن الكاتب مغرم بهذا النوع من الحيل لشد القارئ إلى روايته رغم أنها حيل ساذجة لا تستطيع أن تؤثر إلا على القارئ الباحث عن أية تسلية يضيع بها وقته المترامي أمامه لا يدري ماذا يصنع به، مَثَلُه مَثَلُ من ينفق الساعات في الشرفة لا عمل له على الإطلاق إلا قزقزة اللب وبصقه على رؤوس المارة المساكين الذين يسوقهم حظهم التاعس إلى المرور من تحت شرفته الميمونة.

ذلك أننا في منتصف الرواية نُلْفي أنفسنا أمام مشهد عجيب: فكاثرين تشتبك فيما يشبه الصراع مع مليكة، الشابة السيوية الأرملة التي كان عليها أن تبقى في الموضع الذي حبسوها فيه إلى أن تنقضي أربعون يوماً (حسبما قرأت في عدد غير قليل من المواقع المشباكية التي تتحدث عن سيوة وتقاليدها) لا يراها ولا يحتك بها أحد، ولا يقع بصرها أثناء ذلك على أي شيء يخص الآخرين، وإلا حلت عليه وعليهم اللعنة والمشأمة، والتي كانت تلبس رغم هذا ملابس الشبان، وتخرج إلى الشوارعن وتدخل البيوت دون أن يعرف الناس أنها مليكة، ومن بينها بيت كاثرين، حيث جرى المشهد السالف الذكر.

ويدخل محمود زوج كاثرين ويرى ما نرى، ويحسب أن مليكة تريد أن تقتل زوجته فيخرج مسدسه ويطلق الرصاص، وإن كان تدخُّل زوجته وإبعادها فُوَّهة المسدس في آخر لحظة كما يحدث في الأفلام المصرية لَقَتَل الفتاة المسكينة.

ليس ذلك فقط، بل إن كاثرين ذاتها كانت تظن أن مليكة تشتهيها جنسياً، وأنها لذلك اندفعت إلى صدرها وقبلته، وانكفأت على قدميها تشبعهما لثما، وظلت بعد ذلك تنظر إلى مليكة بهذه العين، بل خالجتها بعض النوازع الشاذة تجاهها لهذا السبب. وتسأل عن السر وراء كل ذلك، فتضحك حين تعلم أن البنت السيوية كانت قد ضاقت بقسوة الحبس الانفرادي، وأنها قصدت بيت كاثرين لما سبق بينهما من لقاء يتيم كي تتخلص من وحشة العزلة وسأم الانتظار الطويل، وأن كل ما كانت تريده هو أن تعبر لها عن اعترافها بالجميل لأنها الوحيدة التي عاملتها في سيوة كلها بالعطف والمرحمة.

والمضحك أن تعرف كاثرين أن مليكة أرملة، وأنها، ككل أرملة في الواحة، كان عليها أن تعتزل البشر مدة معينة لا يقع بصرها على أحد منهم أو أي شيء يخصهم، ثم لا تعرف رغم هذا أنها حين أكبت على قدميها (كما أكبت نجاة الصغيرة على قدمي حبيبها اللاهي الغادر في رائعة "أيظن" لشاعرنا الفلاتي نزار قباني...

إنه لمن المضحك أن تعرف كاثرين أن مليكة أرملة، وأنها -ككل أرملة في تلك الواحة- كان عليها أن تعتزل البشر مدة معينة لا يقع بصرها على أحد منهم أو على أي شيء يخصهم، ثم لا تعرف رغم ذلك أنها حين أكبت على قدميها وقبلتها في صدرها (وأنا أشك في أنها قبلتها في صدرها شكا مطلقا، بل الكاتب هو الذي اصطنع ذلك اصطناعا، وتكلَّفه تكلفا دون أدنى مراعاة لمنطق الأشخاص والبيئات، إذ ظنّ نفسه في أوربا) إنما كانت تعبر عن شعورها بالمنة التي أولتها إياها تلك المرأة ليس إلَّا..

وتسألني: ولماذا هذا الاستغراب؟ فأجيبك أنها علمت بترمُّل مليكة منها هي نفسها، وفهمت أبعاد ذلك في ضوء ما كانت قد قرأته من كتب حملتها معها حين صحبت زوجها إلى تلك الواحة البعيدة بغية التعرف إلى بيئتها الجديدة. ستقول: وماذا في ذلك؟ سأجيبك بأنه ها هنا يكمن تهافت الفن في الرواية، إذ إن مليكة لم تكن تعرف إلا اللغة السيوية، وهي لغة لا صلة بينها وبين العربية التي لم تكن كاثرين تفهم سواها (إلى جانب الإنجليزية بطبيعة الحال كما لا حاجة بي إلى أن أقول: وكذلك بعض اللغات الأخرى)، بالإضافة إلى أن الكاتب لم يتركنا في عماية من الأمر، بل أشار مرارا إلى انعدام صلة التفاهم بين المرأتين تماما بحيث لا يمكن أن يحتمل الأمر أي تفسير آخر. فكيف إذن عرفت كاثرين أن مليكة أرملة، وأنها تقاسي الحبس في الموضع الذي نبذها أهل البلد فيه؟

بل كيف كانت مليكة تختلط بالناس في ملابس الغلمان دون أن يتنبهوا إلى حقيقة أمرها؟ ألا يعرف أهل البلد بعضهم بعضا كما يعرف الواحد منا "ظَهْر كَفّه" حسبما يقول التعبير الإنجليزي: (To know sth like the back of one's hand)

أو "قَعْر جَيْبه" (Connaître qch comme le fond de sa poche) حسبما يعبر الفرنسيون؟ فكيف فاتهم أن هذا الغلام ليس واحدا منهم، فلم يُثِرْ من ثم فضولهم وتركوه يخالطهم ويلعب مع أولادهم؟ بل كيف سكت الغلمان من أترابه فلم يسألوه عن هويته، والمكان الذي نزل عليهم منه؟ وهذا كله لو كنا من السذاجة وبساطة العقل بحيث نبتلع أن مليكة استطاعت، وهي الفتاة التي سبق لها الزواج، أي أصحبت امرأة ناضجة ناهدة الصدر، أن تُحْكِم طريقتها في التخفي فلا يظهر منها شيء يخص النساء سواء من ناحية الملابس، أو نتوءات الجسد، أو الحركات أو الصوت أو البشرة أو الشعر، فضلا عن أنها كانت على عكس نساء البلد جميلة جمالاً يلفت النظر، ودعنا من النفسية الأنثوية، وإلا فلن ننتهي في يومنا الذي نرجو أن يمرّ على خير، ودعنا كذلك من كيفية حصولها على ملابس الغلمان، وهي المعزولة عزلا قسريا تاما عن كل شيء وكل إنسان؛ بحيث إنهم يلقون لها طعامها إلقاء دون أن يَرَوْها أو يحدّثوها...

إن كاثرين قد فهمت كل ذلك على تعقده وتشابكه، ولكنها مع هذا لم تفهم أن البنت حينما قصدتها في البيت وقبّلتها إنما كانت تعبر عن شعورها بالمنَّة لما لمسته من عطف عليها. وهذا، كما يرى القارئ، غريبٌ جِدُّ غريب! كما أن الكاتب قد ذكر على لسان كاثرين أن فترة العزلة التي كانت تقضيها كل أرملة في الواحة تبلغ أربعة أشهر وعشرا، على حين أنها، حسبما قرأت في عدة مواقع مشباكية، أربعون يوما فقط، وإن كان هناك من يقول: إنها مئة يوم، ومن يبلغ بها خمسة أشهر. إلا أنني لم أجد من طابقها بعِدّة الأرملة في الإسلام كما صنع الكاتب.

ترى.. لماذا هذا الربط بين ذلك الطقس السيوي الجاهلي اللاإنساني وعِدّة المرأة المتأيمة في الإسلام!؟ لو كانت كاثرين هي السبب لكان ينبغي أن يوضح الكاتب ذلك بطريقة فنية. لكنها ليست هي السبب، بل هو. فإن كان قد صنعه تعمدا فهذا أمر غريب بل مريب، وإن كان قد وقع فيه جهلا فهو معيب! وإن كان الأمر كما قال فعلاً فهأنذا أقرّ سلفا بأنني أنا المخطئ، وهو المصيب!.

ثم كيف يمكن أن نصدق الطريقة التي عبرت بها مليكة عن شعورها بالمنَّة لكاثرين، وهي تقبيلها في صدرها المفتوح وانكبابها على قدميها؟ هل هناك امرأة مسلمة تفعل ذلك، وبخاصة مع أجنبية، وعلى الأخص في ذلك الوقت من أواخر القرن التاسع عشر، وبالذات.. بالذات في سيوة حيث كان الناس ينظرون إلى كاثرين كما تقول الرواية على أنها كافرة!؟ أعطوني عقولكم أيها القراء!.. كذلك كيف خطر لكاثرين أن مليكة تشتهيها، وأنها حين قبلت صدرها، رغم إنكاري أن يكون شيء من هذا قد وقع منها كما وضحت، إنما كانت تمارس معها لوناً من الشذوذ الجنسي؟

 لقد فلقتنا الرواية من كثرة الكلام عن سعة ثقافة كاثرين وإحاطتها بكل شيء علما (وأرجو من الحرجين أن يمتنعوا عن التعقيب على هذا التعبير الأخير!) من أمور الواحة: ناسا وآثارا وتاريخا وعادات وتقاليد، فكيف نسي الكاتب هذا كله، وجعل كاثرين تظن، لا بل ترى وتوقن أن ما صنعته معها مليكة هو ضرب من ممارسة الشذوذ الجنسي؟

يقول الكاتب في الرواية: إنها كانت متأثرة بالأخلاق الفيكتورية التي كانت شائعة في بريطانيا أوانذاك نسبة إلى الملكة فكتوريا ملكة بريطانيا في ذلك الحين، تلك الأخلاق المتنطسة المنافقة الذي بلغ من نفاقها أنْ كانت بريطانيا تعجّ آنذاك بالمومسات وبيوت الدعارة، بالإضافة إلى أن صاحبة الجلالة الملكة كان لها عشيق من بين خُدّامها اسمه جون براون أطلقت عليه بناتها: "حبيب ماما" ("ياااا حلاوة" على رأي مظهر أبو النجا!)، وما سمعتُه أنا أيضا في بريطانيا من صديق أسكتلندي بأذنيَّ هاتين اللتين في رأسي من أنها كانت تمارس الجنس مع البَغَّال!.. يا له من خيال عجيب!.. لكننا هنا لسنا في بريطانيا،... بل في مصر.

 كما أن معرفة كاثرين التي لا تندّ عنها شاردة ولا واردة في سيوة، حتى دبة النملة على الصخرة الملساء في الليلة الظلماء تحت لحاف الغبراء، كانت كفيلة بأن تهديها الصراط المستقيم، وتُفَهِّمها أن سيوة ليست لندن ولا دبلن، وأن نساء سيوة لا يعرفن السحاق كما تعرفه نساء إنجلترا وأيرلندة. ومرة أخرى ليس ذلك فقط، بل هناك زوجها المأمور، وهذا حكايته حكاية، إذ ما إن رأى ذلك المنظر حتى ظن أن مليكة سوف تفترس امرأته رغم أن مليكة كانت رابضة عند قدمي امرأته تقبلهما، وكذلك رغم أن امرأته كانت تضربها بعذق نخلة في يدها، ولكنْ ضربا خفيفا فيه من معنى الاستزادة أكثر مما فيه من معنى الاستنكار، ولا يبدو عليها أي هلع، حتى أخرج مسدسه و"طاخ طيخ"!.. ولولا ستر الله، الذي ألهم زوجته أن تسرع فتحوّل فوهة المسدس بعيدا عن البنت، لكانت مصيبة أخرى لا قِبَل للمأمور بها، وبخاصة أن الحكاية لم يكن ينقصها قتل مليكة.

إن المنظر كله من (ساسه لراسه) منظر مضحك يذكرنا برعاة الكاوبوي الذين ليس أيسر على أحدهم، كلما كحَّ كاحٌّ أو تنحنح متنحنحٌ حوله، من انتزاع المسدس في التوّ واللحظة من جيب سرواله المنتفش كسراويل البمبوطية عندنا (في الانتفاش فقط كما لا أحتاج إلى القول) وتدويره مرتين أو ثلاثا في الهواء، ثم تفريغه في كرش الكاحّ أو المتنحنح مرة واحدة دون إحم ولا دستور، فينسدح على الأرض لا يحطّ منطقاً. ولم لا!؟ أليست هذه أمريكا يا ويكا؟ لكني أحمد للكاتب أنه لم يجعل محمود يلفّ المسدس في الهواء قبل إطلاقه، وإلا كانت واسعة حبتين، وهو أعقل من ذلك!...

وبعيدا عن الأخلاق الفكتورية المنافقة تُرَى هل هناك امرأة يخطر لها أن تكشف ما يدور بينها وبين زوجها في الفراش على الملأ بهذه الطريقة بالغة ما بلغت من الفجور وانعدام الحياء؟ وهو ما نأخذه على الزوج أيضاً ولكن بدرجة أعلى، إذ تبلغ به الوقاحة، وهو المصري من أبناء القرن التاسع عشر، أن يشنف مسامعنا بمثل ما شنفتها به كاثرين! قد يتحدث الرجل في مثل هذه الموضوعات ويتباهى بما صنعه إذا كان الأمر يتعلق بممارسته الجنس مع إحدى العاهرات مثلاً، أما مع حليلته فلا أظن ذلك سَجِيسَ الليالي (حلوة "سجيس الليالى" هذه)!..

وأيا ما يكن الحال؛ فلماذا يظن كثير من الروائيين الآن أنه لا بد لهم من تضمين أعمالهم المشاهد الجنسية حتى لو لم يكن هناك أي دافع للمس هذه الموضوعات!؟ أهي ضريبة لا مناص لهم من تأديتها!؟ لكن أين تلك الحكومة التي تقتضي الأدباء مثل تلك الضريبة؟ ألا يرى القراء أن الأمر هنا أشبه بمناظر الرقص الشرقي قديما، ومناظر العري الفراشي هذه الأيام في أفلامنا؟ إنني بعد أن قرأت الرواية لا أجد سببا لذلك، وأرى أن الكاتب قد اختلق الأمر اعتسافا، ولم يقنعنا أنه قد نما نموا عضويا من خلال وقائعها وتصرفات شخصياتها.

***

----------------------------------------

http://www.maktoobblog.com/ibrahim_awad9

 

 

تعليقات القراء
لاتوجد تعليقات على هذا المقال الى اﻷن

علق برجاء التدقيق اللغوي لما يكتب