شهدت ندوة رابطة الأدب الإسلامي العالمية بالقاهرة هذا الشهر إقبالًا كبيرًا ، والتي أدارها عميد العربية الأستاذ الدكتور صابر عبدالدايم يونس رئيس الرابطة ،وحضرها لفيف من النقاد والشعراء والأدباء والإعلاميين في مقدمتهم الدكاترة : صلاح عدس ، محمود خليل ، صبري أبو حسين ، عمر إبراهيم ، هند عبدالحليم ، حبيبة محمد ، وعبدالحميد يونس ، ومن الكتاب والشعراء ؛ الأساتذة : نشأت المصري ، فؤاد حمدو الدقس ، سامي ناصف ، محمد الشرقاوي ، محمود مبروك ، محمود عبده ، محمد سعد أبو الرضا ، السيد الهجين ، ومن شباب الباحثين في الأدب والنقد : أمين إبراهيم من نيجيريا ، وشريف عبدالمنّان من بنجلاديش ، وحمزة سالم من ليبيا .
وقد جاءت ورقة الندوة التي شارك بها الدكتور علي مطاوع أستاذ ورئيس قسم الأدب والنقد بجامعة الأزهر،ورئيس لجنة النقد الأدبي بالرابطة – بعنوان ( عالمية الأدب الأدب الإسلامي .. حتى لا ننسى ) تأكيدًا لحقيقة أنّ الأدب الإسلامي هو أدب الإنسانية ، بل أدب الحياة ، بل أدب الكون . ولا عجب في ذلك وهو ثمرةٌ من ثمرات الإيمان ، وعطاءٌ إلهي من عطاء الفطرة السليمة ، ونبعٌ صافٍ من ينابيع الرؤى الإسلامية العذبة ، وفريدُ الإبداع الإنساني ، وأرقى عطاءاته الوجدانية ، لا سيّما والأدب الإسلامي له هدفٌ وغايةٌ مقصودة من ورائه ، وهذه حقيقةٌ منبثقةٌ عن حقيقة إسلامية كبيرة هي :
أنّ الفرد المسلم يُنَزّه نفسَه عن أنْ يحدث عملًا مَا منَ الأعمال ، أو يقولَ قولًا مَا من الأقوال ليس من ورائه غاية جادة ، أو هدف ، أو رسالة ، أو أنْ يتلفظ بلفظٍ دون أنْ ينظر مُسبقًا إلي عواقبه ونتائجه ، ومدى العائد عليه منه ، أو هو عائد على الآخرين، وهو ما يؤكد تميز وريادة وعالمية الأدب الإسلامي ، ويكشف دوره في إرساء القيم الإسلامية ، وإبراز الوجه الحضاري للإسلام ، ومعالجة القضايا الإنسانية انطلاقًا من التصور الإسلامي للكون والإنسان والحياة .
وقد ساق الناقد الدكتور علي مطاوع نماذج من الإبداع الإسلامي للتدليل على عالمية الأدب الإسلامي وإنسانيته ، فتوقّف أولًا أمام رواية ( عمالقة الشمال ) التي جرت أحداثها في نيجيريا ، للكاتب الدكتور نجيب الكيلاني ،بوصفها نموذجًا للرواية.
الإسلامية التي تحمل رؤية إسلامية ، وتُترجِمُ خصائص وسمات التصور الإسلامي ؛ من إرساءٍ للقيم الإسلامية ، وإبراز الوجه الحضاري للإسلام ، وجلاء حقيقة الشخصية الإسلامية ، والإبداع الإسلامي الإنساني الذي يعي رسالته في هذا الوجود على امتداد خارطة الوجد الإسلامي ، وذلك في معالجة قضايا الأمة ، ونشر سيرتها وفضائلها .
ثمّ وقف أمام ( بُكائية سراييفو ) ،هذه التجربة الشعرية الإنسانية الخالدة التي أبدعها الشاعر أحمد سويلم ، مُصوّرًا مأساة أهل سراييفو تحت نير العدوان الصّربي آنذاك ، مُنددًا بالمتخاذلين لنُصرتهم ، وذلك بعد أن توحّد الشاعر سويلم مع الرمز / بلال الذي أشار له بهذا العزف الشّجيّ ( أحدٌ .. أحدٌ ) / المعادل الموضوعي للشعب البوسني ، لتؤكد هذه التجربة في مجملها أنّ التوحد مع الرمز الإسلامي اليوم يؤكد أنّ الأمل في النصر والحرية والحياة ، سوف يظلُّ معقودًا على التواجد الحقيقي للحضور الإسلامي في هذا الوجود .. فالإسلام رسالة الله إلي النّاس جميعًا ، ونبيّنا محمد سيد الخلق( صلّى الله عليه وسلّم ) أُرسِل للنّاس كافة ، وليس لجماعة دون أخرى " قُلْ يا أيُّهَا النّاسُ إنّي رَسُولُ اللهِ إليكُم جميعًا ... " الأعراف : من الآية (158) .
وأطالت الورقة النقدية للدكتور مطاوع الوقوف أمام المجد الإسلامي بواقعه المشرق ، المنتصر في ( أشواق حجازية الإيقاع ) تجربة شاعر الأزهر الدكتور صابر عبدالدايم ، والتي جعلته يتذكّر ويستعيدُ باكيًا زمن الفتوحات الإسلامية ، هذا الزمن الذي " كان بالحق مبينَا " ، وعلى كفّه حمَلَ " موازين الحبّ وأشواق سلام " .. مع " محمّد الفاتح " وملحمة شاعرنا الخالدة " القبو الزجاجي .. رسالةٌ إلي محمد الفاتح " قائد الفتوح الإسلامية في البلقان ..
" أيُّها الفاتحُ .. ضيّعْنا مفَاتيحَ المدائنْ / ونَسينَا البحرَ.. والموجَ وتهليلَ السفائنْ / ونَسينَا الخَيْلَ والرُّمْحَ .. وأسرارَ الكَمَائنْ / سُورةُ الفتحِ هَجَرْنَاهَا .. وبدّدنَا صَدَاهَا / وتَراءَتْ في حَنَايانَا أنينًا وحَنينًا / كُلّ أشجارِ الفُتُوحاتِ أراهَا / عارياتٍ منْ رُؤاهَا / أيُّهَ الفاتِحُ أقْبِلْ .. أنتَ ما زِلْتَ فَتَاهَا / أنْزِع السّيفَ منَ الغِمْدِ فقدْ تُهْنَا وتَاهَا "
وهذا الأنموذج أراه تأكيدًا لعالمية الأدب الإسلامي ، الذي لم ينحصر في قُطرٍ، أو مكانٍ ، أو زمانٍ بعينه ، كما تبوح أعماله الإبداعية الإنسانية ، التي تنطلق من الكون والحياة ، حيث " الماءُ يُسبّح / والنُّجيماتُ تُسبح / والفناراتُ تُسبّح / والمجاديفُ تُسبّح / إنّهُ اللهُ .. فسبّحْ باِسمِ ربّكْ/ إنّهُ حامي الحِمى .. حارسُ دَربِكْ " . كل هذا الوجد الإسلامي إيمانًا من شاعرنا – وهو الذي جاء إلي الدنيا من عباءة الأزهر الشريف – بمدائن الفجر، حيث " يُطلّ ( أحمد ) في يديه الآيُ والذّكر الحكيم " . من مصر المحروسة / وطن الأزهر الذي ما زال يحمل لواء الإسلام الوسطي ، والفكر المستنير ، والأخوة الإنسانية منذ أكثر من عشرة قرون .
الأستاذ الدكتور / علي مطاوع
أستاذ ورئيس قسم الأدب والنقد بجامعة الأزهر