رحيل الشاعر علي فهيم زيد الكيلاني (1350-1443هـ) ... (1931-2021م)
كتب   مدير الموقع  نشر فى : Dec 02, 2021   طباعة   أرسل لصديق  أرسل لصديق 
.

 

الشاعر علي فهيم زيد الكيلاني

تنعى رابطة الأدب الإسلامي العالمية ومكتبها الإقليمي في عمان بالأردن إلى أعضائها وسائر الأدباء في العالم وفاة الأستاذ الأديب الشاعر علي فهيم زيد الكيلاني الذي وافاه الأجل يوم الثلاثاء (25/3/1443هـ، الموافق30/11/ 2021م)، في مدينة عمان بالأردن عن عمر يناهز 91 عامًا. والأديب الشاعر علي الكيلاني عضو برابطة الأدب الإسلامية العالمية (1421هـ/2000م)، ومن الأعضاء النشطين في فعاليات مكتب الرابطة في عمان.

وتقدم الرابطة تعازيه ومواساته إلى أهله وذويه، وإلى الهيئة الإدارية للمكتب الإقليمي للرابطة بعمان، وسائر الأعضاء في المملكة الأردنية الهاشمية، وفي العالم.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمد الفقيد الكريم بالرحمة والرضوان، وأن يسكنه فراديس الجنان، وأن يرزق أهله الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون.

--------------------------------------------------

 

الشاعر علي فهيم زيد الكيلاني (رحمه الله)

 

بقلم الأستاذ حسني أدهم جرار (رحمه الله)

من موقع رابطة أدباء الشام

 

الشاعر علي فهيم زيد الكيلاني (أبو العلاء): شاعر التزم الإسلام عقيدة ومنهجاً وسلوكاً في الحياة.. وهو من طليعة الشعراء المعاصرين في الأردن، بما امتلك من شاعرية موهوبة, وفكر ملتزم. شعره كلمات تنبض بالحياة، له في النفس وقع وتأثير.. كان أميناً صادق الكلمة في شعره، استطاع من خلاله أن ينقل فكره وعقيدته بأمانة وجرأة وتجرد ووضوح.. وكان سلوكه تبعاً لما آمن به واعتقد.

حياته وأسرته:

ولد علي فهيم زيد الكيلاني في مدينة السلط عام 1931م، وعاش في كنف والده الشيخ فهيم، الذي كان إماماً وخطيباً في أحد مساجد السلط، بعد أن كان معلماً ومدرساً في مدارسها إبان العهد العثماني.. وشب في أسرة ملتزمة بإسلامها، وتقدر العلم والعلماء..

وقد ظهر في عائلته شعراء، يشار إليهم بالبنان، أمثال: رشيد زيد الكيلاني، وحسني زيد الكيلاني، ومصطفى زيد الكيلاني، وسيف الدين زيد الكيلاني، ومحمد طاهر زيد الكيلاني، والشيخ إبراهيم زيد الكيلاني. كما أن عائلته ضمت نخبة من العلماء (في الشريعة) الذين كان لهم أثر كبير في مجتمعهم المحلي، أمثال: الشيخ عبد الحليم زيد الكيلاني، ووالد الشاعر، والدكتور إبراهيم زيد الكيلاني وغيرهم.

عاش علي فهيم في بداية حياته في مدينة السلط، التي عشق فيها روابيها لجميلة، وكرومها النضرة، ونسيمها اللطيف.. ولعل كثرة الشعراء فيها، ممن ينتمون إليها، أو أقاموا فيها، خلال مراحل من حياتهم، قد أوجد حالة من التلاحم بين شاعرنا وبينهم، فقد أنجبت مدينة السلط عدداً من الشعراء، كما ضمت مدرستها (الأم) وهي أول مدرسة ثانوية في الأردن، شعراء كبار مثل مصطفى وهبة التل وإبراهيم المبيضين، وغيرهما.

وكانت حياة شاعرنا في أسرته الصغيرة حياة هادئة رضية، في وسط من الطبيعة الجميلة الخلابة، التي تنطق بالسحر والجمال، والحب المتبادل الذي يلف أطراف خيمتهم الأسرية، مما ارهف الحس لديهم، ورقق المشاعر، وأجرى الشاعرية على ألسنتهم.

كان شاعرنا وإخوانه من المهتمين بالشعر حفظاً ونظماً وهم ما يزالون على مقاعد الدراسة.. وكانوا يعقدون المناظرات الشعرية مع زملائهم، ويتغنون بمختارات من أجمل الشعر لأعظم الشعراء مما أثرى خيال وشاعرية شاعرنا علي فهيم.

درس شاعرنا في مدارس السلط، وأنهى الثانوية العامة عام 1950م، وعمل موظفاً في دائرة الإحصاءات العام، في عام 1951م حتى عام 1966م، وقد تم إيفاده في أثناء تلك الفترة، إلى مركز الإحصاء الدولي في بيروت لمدة ستة أشهر عام 1956م، كما تم إيفاده عام 1961م، إلى مطبعة شركة (ناشيونال كاش ريجستر) في بيروت لمدة شهرين للتدرب على أعمال الطباعة، وعمل إدارياً في مختبرات وزارة الصحة لمدة عام ما بين 1966–1967م، وانتقل بعدها إلى وزارة السياحة عام 1967م، وتسلم إدارة المطبعة التي أسست فيها.. ثم أصبح مديراً لقسم الإنتاج الفني في الوزارة، وعمل مستشاراً فنياً لدى مطبعة مديرية الأمن العام بشكل إضافي، ثم مديراً لمطبعة جريدة الرأي العام لمدة ثلاثة شهور عام 1979م، وبعد خدمات طويلة في هذا المجال في السلك الحكومي، تفرغ للعمل في نفس المجال خارج الإطار الرسمي، وأحيل إلى التقاعد في وزارة السياحة عام 1981م، ليؤسس مع زملائه مطبعة الأصدقاء التي استمرت حتى عام 1984م، ثم تركها وأسس مع شريك آخر (مطابع الإيمان)(1).

ثقافته وفكره:

استند شاعرنا إلى ركيزة ثقافية شاملة وأصيلة، وهي التي أعطته هذا الزخم الشعري في الشكل والمعنى، وهذه الركيزة، هي ثقافته الدينية الأصيلة. فالنشأة البيتية، تعد محطة أولى في تكوين ثقافته.. فقد نشا في بيت يزينه العلم والتقوى والورع، ويجمله الأدب والفكر والمعرفة.. فلما التقيا معاً، (العلم والتقوى) ظهرت شخصيته الإنسانية المؤمنة، أقو شكيمة وفكراً ووجداناً.

وشاعرنا تربى على يد والده المعروف بالعلم والتقوى، وعاش بين إخوانه الذين نهلوا من المعين نفسه، كما أن البعد الثقافي للعائلة الكيلانية التي ينتمي إليها، قد زاد حصيلته المعرفية، وقد وظفها في خدمة انطلاقته الأدبية. ومنهل آخر للثقافة، نهل منه أبو العلاء، هو مدرسة السلط الثانوية.. فمنها خرجت مصابيح العلم والمعرفة.. كما أن المعلمين الذين تتلمذ على أيديهم هو وزملاؤه، كانوا مشاعل معرفة.

أما مطالعاته الثقافية.. فشاعرنا قارئ جيد، يقرأ في الأدب والشعر، وكما يقرأ في اللغة والفكر الإسلامي والتاريخ.. وقد قرأ وهو شاب قصصاً كثيرة، وروايات عدة، وقرأ للروائيين والشعراء والمفكرين.. كما أن انضمامه إلى رابطة الأدب الإسلامي كان له أثر واضح على ثقافته الملتزمة، فهو عضو نشط في تلك الرابطة، التي أسست للوقوف أمام الأدب الزائف والمنحرف.

وإن المؤتمرات والندوات والأمسيات الشعرية التي ترعاها رابطة الأدب الإسلامي ويشارك بها، تشكل هي الأخرى انعكاساً لحضوره الفكري.. كما أن المؤتمرات والندوات التي يدعي إليها من خارج الأردن، لدليل على اعتراف تلك الهيئات والمنديات، بأهمية هذا الأدب الملتزم ومن يمثلونه.

ويعد اللجوء للمعارضات التي كان يقيمها شاعرنا، ضرباً، من الضروب الثقافية التي تزيده إطلاعا على أفكار وأساليب الشعراء الذين تناولهم بمعارضاته،. وقد تضمن ديوانه (بؤرة الروح) نماذج شعرية لهذا الفن، والتي عارض فيها عدداً من الشعراء، أمثال الشاعر عبد المنعم الرفاعي، والشاعر محمد مهدي الجواهري، والشاعر حيدر محمود..

فالأبواب الثقافية الواسعة، التي دخلها شاعرنا، من بيئة مكانية وزمانية، تمثلت في البيت والمدرسة والعمل، والندوات والمناقشات والمؤتمرات، وطرح الآراء في مسائل ذات حساسية بالغة في ميدان الشعر والأدب، لا يجرؤ أحد على الخوض بها إلا إذا كان يملك ميزاناً ثقافياً، ونقدياً يزن فيه الأمور بدقة متناهية(2).

شعره:

علي الكيلاني شاعر موهوب.. نظم الشعر منذ يفاعته، وتدرج فيه حتى أصبح شعراً جزلاً جميلاً، له وقع في النفس، بما يعتمل فيه من أفكار عميقة ومعاني سامية، وصور أخاذة، وعبر وحكم، نراها ونحن نطالع تلك الأشعار.. كما أصبح له قدرة على إلهاب المشاعر والأحاسيس بالكلمة الفاعلة، والصور الفنية الرائعة، والقدرة على الإبداع..

والحقيقة أنك وأنت تقرأ شعر أبي العلاء تجد نفسك أمام شاعر متمكن فيما ينظم، وفيما يكتب وما يقول.. شاعر له رسالة، وله انتماء واضح إلى أمته العربية الإسلامي.. زد على ذلك ما نرى في شعره من قدر واضح من الحس الإنساني، والمسؤولية النبيلة التي توجه وترشد، وتشد الناس إلى الهدى والرشاد.. فكان بحق من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وأوجدوا أثراً طيباً في توجيه أبناء مجتمعهم المسلم.

وشاعرنا يؤمن بالنهج الملتزم، فالكلمة عنده رسالة يؤمن بقدسيتها، وجلال موقفها وتأثيرها.. يقول في مقدمة ديوانه "بؤرة الروح": "الكلمة كما أحسها كائن نابض فاعل متحرك (كأنما تدب فيها الحياة).. لها في النفس وقع وجرس وتأثير، تحرك الأحاسيس والمشاعر، فتثيرها وتهدهدها، ولها في العقل فاعلية تذكيه فتهديه سواء السبيل، إن كانت قبس هداية، وترديه إذا ألهبت غرائزه وميوله، ولها في المجتمع فعل النار في الهشيم، تحرق وتدمر، أو فعل الماء في الظامئ ترويه فتحييه.

والكلمة الفاعل مرآة تعكس صورة حقيقة الإنسان لا ظاهره، تكشف ما تنطوي عليه النفس من مكنوناتها، وما يختلج في القلب من أحاسيس، وما يعمل في العقل من فكر.. فمن كانت مرآة سريرته مصقولة صافية نقية تعكس انطباع مجتمعه، وبيئته في نفسه وعن نفسه، وقد جلتها صواقل فكره، وجلتها نواصع عقيدته، كانت كلمته صادقة إن استطاع أن ينقلها بأمانة وتجرد ووضوح.

والكلمة الصادقة موقف، من وعى قصدها التزم بها، كان سلوكه تبعاً لما آمن به واعتقد، ومن احترم كلمته احترم نفسه.

والكلمة الموقف مسؤولية، إذا نطق بها كان مسؤولاً عنها، وإذا سجلها كانت مسؤوليته أعظم وأكبر، لأنه وثق أفكاره وأحاسيسه وحقيقته، وهو مسؤول عما ستحدث هذه الكلمة في مجتمعه وبيئته من خير أو شر، وما إذا كانت تبني هذه الكلمة أو تهدم في جسم المجتمع وفي عقيدة الأمة وأخلاقها.

والكلمة الشعر، أبعد التعبير أثراً وأعظمه خطراً، لما لها من وقع على الأسماع، وسحر في النفوس، ودغدغة للسيمفونيات وأرفعها، وتشده إلى أعماقها، فيغوص وراء الدر أو المحار.

والشاعر المبدع هو الأقدر على إلهاب المشاعر والأحاسيس بالكلمة الفاعلة، لما له من رهافة الحس ونقاء السريرة وقدرة على الإبداع، وعلى بلورة انطباعاته، وما تختلج به نفسه، ويعمل في فكره في قالب فني أخاذ، يطوف بالسامع في عالم الجمال على أجنحة الخيال وينساب به في زورق الأحلام على صفحة بحيرة رقراقة من روعة التعبير، وسحر الموسيقى،  يخطر بالسامع في حدائق الصور الفنية الرائعة يقطف من المعاني أعطرها، وينتقي من الصور أزهاها لوناً وأوفاها مبنى فيقدم لنا باقة من أجمل الشعر وأحلى القريض.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) معلومات من الشاعر مكتوبة في أوائل عام 2003م.

(2) حسن علي المبيضين: الشاعر علي الكيلاني – حياته وشعره، ص24-26.

* وينظر ترجمته في: 

- دليل أعضاء مكتب الأردن الإقليمي، إعداد محمد جمال عمرو، وكمال محمود عفانة، دار البشير، عمان. (ط1)، 1421هـ/2001م. (ص68)

- معجم الأدباء الإسلاميين، إعداد أحمد الجدع بالتعاون مع رابطة الأدب الإسلامي العالمية، الجزء الثاني، دار الضياء، عمان، الأردن، (ط2)، 1425هـ/2004م، (ص906).

  • من مقال طويل كتبه الأستاذ حسني أدهم جرار (رحمه الله) في موقع رابطة أدباء الشام/
  • http://www.odabasham.net/تراجم/70941-علي-فهيم-زيد-الكيلاني

تعليقات القراء
محمد عباس Dec 02, 2021
رحمه الله ،وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء آمين

علق برجاء التدقيق اللغوي لما يكتب