محمد الحسناوي وعلي أحمد باكثير عظيمان لم ينصفا

المقالات

العدد 134

الأديب محمد الحسناوي

 

وافاه الأجل في زحمة من الهموم والآمال، وانتقل إلى حمى ربه ذي الجلال. وترك الأحباب والآل، عليه شآبيب الرحمة من ربه المتعال.

تركنا الدنيا الدنية، والهموم أحدقت بأمتنا الإسلامية، فقد تداعت علينا الأمم، وآمال فقد كان يأمل أن يرى بلاد المسلمين ترفل بالعز والفخار، وأن يعود أعداؤها إلى أوكارهم بالخزي والشنار، وكان يأمل أن تكتحل عيناه بمرأى بساتين جسر الشغور ليعود إلى مسقط رأسه، ويعب من هواء جسر الشغور ما يعب، ويفرح بالأولاد وهم غدوا شبابا يافعين، وعظماء مشهورين، وهذا كان دعاءه الدائم.

       محمد الحسناوي ذاك الإنسان المبدع، صاحب الثقافة الموسوعية الثرة، والقلم السيال الذي لا يجارى، ذو الحس المرهف، والفكر الثاقب المتقد، وفوق هذا خلق فائق، وتواضع جم، قلذَ أن تجد مثيلاً له في عصرنا هذا.

هذا الأديب المبدع المفكر والكاتب الداعية الإنسان، الذي لا يجارى في تحليله للحدث، وفي أفكاره المستقبلية والتحليلية لواقعنا المعيش.

       طوى الموت هذا الإنسان العظيم، وطوى معه سجلاً حافلاً مملوءاً بالمنجزات القيمة والمبتكرة، والزاخرة بالمواقف الرائعة التي عبر عنها شعراً ونثراً، خاطرة ورواية وقصة، وتحليلاً للواقع بأسلوب شفاف يصل إلى الشغاف، وإنك لترى الخبر غالباً مضفوراً مع الأسلوب الأدبي الراقي.

الحقيقة أن الفقيد –رحمه الله– ترك بصمته المتميزة في أدبنا الإسلامي المعاصر، وكان نتاجه متفرداً.

لم يكن كغيره من الأدباء حريصاً على كثرة الإنتاج، وإنما كان يهمه الكيف، فلا يحرر مقالاً ولا قصيدة، إلا إذا نضجت الفكرة، ورأى أنها أصبحت سهلة المنال، وتطرح قضية مهمة، وتضع لها حلولاً لما غمض واستحال.

وكان لا يصول في مجال النقد إلا إذا وجد ثغرة أو زلة، أو فكرة مخلة، أو إذا رأى ما يستدعي المديح والثناء والتشجيع، ليرطب قلب العاملين في مجال الأدب الإسلامي، وليزيدهم حماسة في تنضيد أشعارهم وصياغتها وسبكها. حتى يتحقق ما يصبو إليه –رحمه الله– وكل مخلص، من ريادة وسبق لأدبنا الإسلامي، وليصبح الأدب الإسلامي في مصاف الآداب العالمية.

كثيرون هم النقاد الذين تراهم عند دراسة النصوص الأدبية يشمرون منذ الوهلة الأولى متحفزين يسارعون لنقد النص الأدبي لمجرد النقد، بل كأنَّ همَّ أكثرهم إفحام الأديب، وإبراز السقطات التي بدرت منه، فلا نخرج من مقالهم إلا بالتبجح والتطاول غالباً، وقد تجد بعض النقاد يجتر ما قاله الآخرون دون جديد يفيد، فليس همهم سوى أن يُعرفوا ويشار إليهم بالبنان، وكثيرون من يكون غرضهم إلغاء الآخر والتشفي به غيرة وحسداً، وقد.. وقد..  

أما الفقيد فكان يتأبى عن النقد في غير ما فائدة، لأن نقده كان منسقا مبنياً على أطر ونظريات لا مجال للهوى ولا لحظ النفس فيها.

كانت مجالس النقد لا تحلو، ولا يكون النقد وافياً –بلا مبالغة- إلا إذا ترك –رحمه الله- بصمته على النص، بل كثيراً ما يعتب عليه بعض الأدباء، إذ يفتقدون كلمته الفصل في كل محاضرة أو ندوة، ويمدحونه أولاً وآخراً إذا ما تناول النص الأدبي بالنقد لأنه لا يأتي إلا بالجديد والمفيد، وقد يخلص –رحمه الله- بعد نقده إلى نظرية يمكن أن ترفد أصول وأسس الأدب الإسلامي.

لقد كان للمرحوم محمد الحسناوي دورٌ في أدبنا الإسلامي المعاصر لما له من نتاج غزير متنوع، ولذائقته الأدبية والنقدية، لذا فقد خسر أدبنا الإسلامي المعاصر قلماً سيالاً، وأدباً يتسم بأنه السهل الممتنع، وما يؤلم أن هذا القلم الذي طالما أمتعنا وأنار لنا طريقنا قد توقف، وتوقفت معه تلك الجلسات النقدية الممتعة الرائدة.

       لقد تناول -رحمه الله- أسلوباً جديداً مميزاً متفرداً في السيرة الذاتية من خلال مجموعاته القصصية، وقد تناول دراستها أحد النقاد الكبار وأبدى إعجابه بهذا الأسلوب المبتكر. وكانت ميزات هذه القصص أنها بدت مضمخة، عبقة برائحة الوطن الحبيب. حتى روايته "خطوات في الليل" كانت من السيرة الذاتية، وقد تجلى فيها الفن الروائي في أبهى حلله.

وقد قدم الأديب الكبير عبد الله عيسى السلامة لهذه الرواية تحت عنوان (أجنحة الفن والواقع في رواية خطوات في الليل لمحمد الحسناوي) نقتطف منها:

"إن المؤلف بطل هذه الرواية قد يكون مكرهاً في تمثيل دور البطولة على أرض الواقع، أو مكرهاً في صناعة بعض أحداثها على الأرض.. فإذا كان مكرهاً هناك في واقع الحياة على تمثيل دور البطولة، أو تمثيل بعض أدوارها كدور السجين أو المنفي عن بلاده، فهل هو مكره حقيقة على تمثيل دور البطل في الرواية المكتوبة!؟

لا نظن، بل نظنه اختار هذا الدور عن وعي وقصد، وبعيدةً عن كل ضغط وإكراه، بعيدة عن فوهة المسدس وجدران الزنزانة".

تعالوا نتابع ما قاله الأديب الشاعر القاص عبد الله عيسى السلامة عن الرواية: "هذه الرواية ميدان خصب مثير لتحليلات أنماط من المحترفين والهواة ولغير هؤلاء وأولئك من القراء..

كما يفيد المرء منها بطرائق شتى، القارئ -أي قارئ- الذي لم يقيد مزاجه بنموذج معين من نماذج الرواية.. القارئ الباحث عن المعرفة الممزوجة بمتعة فنية قصصية، معرفة ما جرى ويجري.. معرفة بعض مسارات الحركة والفكر لشرائح من الدعاة، على مستوى الفرد والمجموعة.. معرفة ما يجري في الأقبية والسجون لرجال الفكر معرفة طعم البعد عن الأهل والوطن.. ثم معرفة أحلام الداعية، أحلام اليقظة وأحلام النوم.. ومعرفة أنماط من الصراعات والمفارقات والموافقات بين أنواع من الشرائح الاجتماعية والسياسية. ومعرفة كيف يفكر ابن الخمسين الإنسان والرجل والولد والداعية والمفكر والأديب والمنفي والسجين.. ثم معرفة أسلوب جديد من أساليب الكتابة الروائية".

لقد أتحفنا –رحمه الله- بنظريات ضمّنها كتابه "الفاصلة في القرآن"، هذا الكتاب المرجع في الدراسات القرآنية والذي كان ثمرة معاناة عاشها الباحث في فكره ووجدانه إلى أن أتيح له هذا البحث الأكاديمي، وخير ما نستضيء به ماكتبه الدكتور العلامة صبحي الصالح –رحمه الله- في مقدمته لكتاب "الفاصلة في القرآن الكريم" للمرحوم محمد الحسناوي.

       "قيل: إن الناقد فنان في الأصل، فإذا كان الناقد الأدبي شاعراً موهوباً بالفعل أوفى على الغاية. ذلك ما خطر لي وأنا أشرع القلم لتقديم هذا البحث الجاد، وهذا البحث ثمرة معاناة عاشها الباحث في فكره ووجدانه إلى أن أتيح لها هذا المسار الأكاديمي الطريف. فصارت معلماً من معالم حركة الإحياء المعاصرة في عالمنا الواعد بالكثير.

       وأهمية هذا البحث لا تتأتى من مؤهلات صاحبه الخصبة، بقدر ما تتصل أسبابه بقضايانا الكبرى في الثقافة والحياة: من دين وفن، فهو ينطلق من  (القرآن الكريم)، وينتهي إلى معاركنا النقدية الجديدة؛ مروراً بالنقد القديم وبفنوننا الأدبية التليدة كالشعر والسجع والموشحات.

       منذ زمن بعيد سئمت حياتنا –بله الأدب والنقد– أساليب الوعظ والخطابة، وقد آن الأوان لتأخذ الإنجازات العلمية المعافاة مواقعها الجديرة بها. وما أحرى هذا البحث وصاحبه أن يحلهما الدارسون محلهما اللائق!. وإخالني لم أسرف في الثناء على البحث وصاحبه، وإن كانا غرساً من غراسي التي أعتز بها، وأحتسب أجرها عند الله.

       وإخالني أكون منصفاً إذا جعلت البحث شاهداً على ما أقول، أما صاحبه فقد أخرجت له المطبعة العربية دواوين شعرية، ودراسات في المجلات والدوريات المعروفة".

       أقول: رغم أن هذا المقال يتناول ظلم الأديب الحسناوي، لكن لما كنت أخوض غمار البحث وجدت في مقال المرحوم صبحي الصالح في تقديمه لكتاب "الفاصلة في القرآن" بصيصاً من الخير ومن الإنصاف، رحمة الله تعالى عليه.

ولابد أن نذكر أنه كما كان مبدعاً في الشعر العمودي، فقد أبدع وأجاد في شعر التفعيلة، وكان نتاجه فيه مميزاً وقوياً.

والناس في قرض الشعر الحر درجات، رغم أني لا أميل إلى الشعر الحر، بسبب إسفاف البعض في الكتابة فيه وتجاوزاتهم، ولكني كنت أستمتع أيما استمتاع بشعر الفقيد الكبير محمد الحسناوي، وقد ورثت ابنته مزنة هذا الهوى عنه -رحمه الله– في قرض الشعر الحر، بل أجادت فيه، وفازت في مسابقة للقصة في أول محاولة لها..

       كثيرون هم من عرفوا أديبنا الكبير، التقوا به إما في الساحة الأدبية، أو في المؤتمرات والندوات الأدبية والإسلامية من مشرق الأرض إلى مغربها ممن ينتمون وترجع منابتهم إلى مختلف الثقافات والأعراق والديانات واللغات والأيديولوجيات، أو من التقوه في ديار الغربة القسرية التي كتبت عليه. ودلل على هذا ما رأيناه في أثناء عزاء الناس لنا، وفجيعتهم الكبيرة الصادقة بفقده، والكم الكبير من الأحباب الذين هالهم الحدث، ولمس البعيدون الذين كتبوا عنه شعراً ونثراً بعد وفاته حب الناس له، لما وهبه الله من سيرة عطرة، وخلق نبيل، ناهيك عن العلم الموسوعي الذي أبدع فيه، وورثه للأجيال.

وكثيرون عرفوه من خلال نتاجه الجم، كم قرأت!.. بل كم سمعت منه –رحمه الله– أن ذاك الأديب كان تلميذاً له منذ كان يافعاً!.. رغم نأي الديار، وتباعد المسافات، وكان مما آلمهم وزاد من فجيعتهم أن قضاء الله –ولا راد لقضائه- حال بينهم، وبين لقاء هذا الإنسان الأديب الكبير.

كان –رحمه الله- له رؤية ثاقبة في الأحداث التي تجري لا تقل أهمية عن رؤية كبار الشخصيات، وهذا ما كنت ألمسه في قراءته لحدث طارئ، أسمع من غيره قراءة أو قراءات أخرى، ويكون رأيه دائماً هو الرأي.

       كان الحسناوي مثل زملائه من رعيل الدعوة المباركة ممن سبقوه، أو ما زالوا بيننا، قابضين على الجمر في زمن الفتنة والتحدي والاغتراب التي فرضت علينا قسراً وظلماً.

 ماذا يمكن أن نكتب عن الحسناوي!؟ فحياة حافلة بالإبداعات، زاخرة بالإشراقات لا تحويها كلمات، وإن شخصية فريدة كشخصيته لا تفيها ولن تفيها حقها الكلمات.

هذه سنة الحياة، وهكذا دورة الحياة.. ولادة فموت، فبعث ونشور وحشر، وهكذا العظماء الأنبياء والمرسلون، الدعاة والمصلحون، والشعراء والمبدعون.

ففي 4/3/ 2007م، سمت روح الأديب محمد الحسناوي إلى بارئها، وخلف فراغاً لا يسد، وترك مشاريع سوف تتزاحم الأيدي عليها لإنجازها ولكن... ما يحزن وما يحز في النفس أنّ هذا المبدع الذي وهب همة عالية، وحرص على كل دقيقة وثانية، لم يعط في حياته ما يستحق من تقدير لموهبته، فكثير من أعماله كانت لاتنشر لماذا؟.. لماذا..؟!

       لقد ترك –رحمه الله- أفكارأ ونظريات وأعمالاً بلغت شهرتها الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه، وأشير إلى كتابه "الفاصلة في القرآن" الذي سبق أن ذكرنا عنه بعض الصوى،  فهو مرجع في كثير من الجامعات، وكان هذا الكتاب أطروحة لدراسات جامعية لكثيرين.

       ونضيف إلى كتبه النقدية المميزة كتاب "في الأدب والأدب الإسلامي" الذي اعترف بعض الأدباء الكبار ومنهم عمر الساريسي والأستاذ عبد الباسط بدر أن أديبنا محمد الحسناوي في هذا الكتاب من أوائل من نظّر للأدب الإسلامي. واعترف كثيرون أن محمد الحسناوي من كبار النقاد في أدبنا المعاصر، ويتميز نقده بالشفافية والصدق الذي قلما نجده عند النقاد.

فليس للمحاباة عنده مكان، إنه يعطي كل ذي حق حقه، بروية وحكمة وخلق نبيل لينتصر للفكرة التي تخدم الأدب الإسلامي.

       ولم يقتصر نقده -رحمه الله- على أدبنا العربي، وإنما خاض في غمار الأدب الغربي، فدرس أعمال أكبر الأدباء الشرقيين والغربيين دراسة متعمقة، ومنهم الأديب الأمريكي العالمي الكبير (باولو كويلو في روايته الخيميائي)، ودرس بعض أعمال الأدباء الروس من أمثال دستويفسكي في مقاله القيم "الجريمة والعقاب على الطريقة الروسية".

وله مقال رائع تحت عنوان "أدباء الغرب ينعون غربهم"، رصد فيها كتابات لغربين أمثال شبنجلر وأرنولد توينبي، وت. أ لورنس؛ فضلاً عن كولن ولسون، ولبعض علمائنا كالمفكر الكبير (مالك بن نبي) وغيره كثيرون رصد من خلالها إرهاصات سقوط الحضارة والمدنية الغربية. وقرأ لكبار الكتاب الروس كتشيخوف وغيره، وكان اطلاعه على الأدب الغربي لا يجارى، فممن قرأ له أدغار ألن بو، وهمنغواي، ومكسيم غوركي، وكثيرون غيرهم. وقد لاحظت أن اطلاعه على الأدب الغربي لا يقل عن قراءاته في الأدب العربي.

وله كتاب "في الأدب والحضارة"، وكتاب "دراسة في الأدب العربي –قديمه وحديثه"، وكتاب "القصة والرواية في بلاد الشام".

       كثيرة هي الأعمال التي أنجزها الفقيد الكبير، وقد ذكرنا بعضها، ولكن لم نسمع صدى عنها حتى عند معظم العاملين في الأدب الإسلامي!.. ولنا أن نعجب!

 وظلم ذوي القربى أشد مضاضة           على المرء من وقع الحسام المهند

كتب بحثاً مطولاً عن الأميري وخماسياته، ووعد بنشره منذ سبع سنوات، وله ديوانان كتبهما للطفل المسلم في نفس هذه الفترة تقريباً، وكان يحن حنينه إلى أولاده لرؤية هذين الديوانين. منّى نفسه باللقاء، ثم منى نفسه، ولكن.. ننتظر -نحن عائلته- أن نفرح، فسعادتنا من سعادته، وفرحنا من فرحه، جعله الله في أعلى عليين.

       إنّ ما حصل مع محمد الحسناوي يحصل مع كثيرين من الرواد والمبدعين والأدباء والمفكرين.

حصل قبله مع رائد الشعر الحديث (شعر التفعيلة) الأديب الكبير علي أحمد باكثير، بشهادة كثير من الأدباء رغم اختلاف بعضهم إلى من تنسب هذه الريادة إلى نازك الملائكة، أم إلى بدر شاكر السياب.

لقد عاش باكثير (1910-1969م) معظم حياته في الظل رغم عشرات المسرحيات التي كتبها ونشرها، وهو قال غير مرة: إنه مفترى عليه.

       أكد الباحث السعودي محمد أبو بكر حميد أن باكثير ظلم، وأن سبب ظلمه هو التزامه الإسلامي، وأن الموقف السلبي من النقاد تجاهه كان ذات السبب. قال الباحث حميد: "إن السنوات العشر الأخيرة من حياة باكثير كانت مظلمة، يكتب ولا ينشر، ويقدم مسرحياته للمسؤولين في المسرح القومي في مصر فلا يردون عليه، ويشير إلى أن الظلم الذي تعرض له لم ينطلق من نزعة إقليمية أو عنصرية ضده، فكثيرون من غير المصريين قصدوا القاهرة ونالوا حقهم وأكثر، إلا أن مشكلة باكثير أنه لم ينتم إلى شلة تسانده من أهل اليمين، كما أن جماعة اليسار رفضته في مجال المسرح لالتزامه الإسلامي، حاربوه بالصمت، ولاذ هو بالشعر، وكانت لجنة القراءة في المسرح القومي في مصر لا تقبل المسرحيات التي يرسلها، فكر في جمع ديوانه وهو ما لم يتم بسبب الوفاة".

بنعمة من الله حافظ على تراثه زوج ابنته التي تبناها. لقد وجد الباحث السعودي حميد رسائل كثيرة، منها رسالة من المستشرق المجري (عبد الكريم جرمانوس) يبدي فيها إعجابه برواية باكثير (الثائر الأحمر)، ويعتبرها من أهم روايات القرن العشرين، ورسالة من الأمير شكيب أرسلان يشجعه على السفر إلى مصر حيث يمكن أن ينطلق أدبياً.

       إن ما يلاحظ في عالمنا العربي أن التيارات الثقافية يمكن أن تمارس حصارها على الذين لا يتبنون أفكارها ونظرياتها، وهذا ما حصل مع باكثير. فقد ظلم مرتين: مرة حينما سرقت منه ريادة شعر التفعيلة، "الشعر الحر، مع أن السياب يعترف له بذلك في دواوينه التي أهداها إليه،  بل إن السياب ونازك الملائكة أوضحا له استفادتهما من مغامرته التجديدية التي أحدثها في شكل القصيدة العربية، والمرة الثانية حين حجبت مسرحياته عن التمثيل في المسرح القومي في الستينات بمصر، وضاقت به منافذ التعبير، بحيث لم يجد مكاناً يدافع به عن تراثه وتاريخه المسرحي، والأقلام تتناوشه من كل جانب، لقد كانت حرباً على أفكاره التي يتبناها".

كان بينه وبين الحسناوي نقاط التقاء: زهد في الأضواء لم يشغل كليهما الناس بالحياة اليومية، لقد كانا من أنصار نظرية الفن للحياة، كان الحسناوي مثل باكثير "على غزارة علمه كان يشعر محدثه أنه أعلم منه –وقد شهد لباكثير (يحيى حقي) بأنه مبرأ من اللؤم والخسة والصغائر وتدبير المقالب من وراء الظهور".

وقد وفقت أثناء كتابتي لهذا المقال عن (ظلم باكثير والحسناوي) بمقال للأديب فاروق صالح باسلامة نشر في جريدة (البلاد) السعودية أقتطف منه:

"والحسناوي في هذه السبيل يذكرني برعيل الأدب الإسلامي الراحلين مثل الأستاذ علي باكثير وأمين يوسف غراب وعبد الحميد جودة السحار الذين ينتجون أكثر مما يتكلمون، وهذا ديدن المؤمنين العاملين والفضلاء الجيدين".

 

وسرني أن قرأت للأديب الشاعر (يحيى حاج يحيى) مقالاً عن الفقيد الأديب محمد الحسناوي وشعر الأطفال، وقد سررت كثيرا لهذا الطرح، ولكونه أول أديب تنبه لهذا اللون من الأدب المهم، الذي قد يكون قد خفي على الأدباء، والسبب بيّن وهو تأخر نشر ديواني الأطفال (العصافير والأشجار تغرد مع الأطفال)، والديوان الثاني (هيا نغني يا أطفال)، تسع سنوات تقريباً.

       وهكذا كتب للأديبين العظيمين محمد الحسناوي وعلي أحمد باكثير أن يعيشا حياة الضنك والقهر والتي فتكت بقلبيهما المنهكين، واستراح فؤاداهما من الصراع المرير مع أعداءالإسلام.

وهكذا كتب ويكتب لكل من سرى في قلبه نور الإيمان أن يهمش، وأن يكتب لعمله السبات والكمون، في حين نجد من الكتاب العرب وسواهم من تنهال عليه الأوسمة والجوائز، وما من قيمة إبداعية تذكر. فلك أن تعرف أن ما تناقله الغرب والشرق عن آخر جائزة لسلمان رشدي (صاحب مؤلف آيات شيطانية)، والتي أهدته إياها الملكة اليزابيت وساماً على إبداعه!..

هل هذه وغيرها من الجوائز التي حصل عليها من الغرب، هل هذه الجوائز مبنية على قيمة إبداعية حقيقية!؟

       الواقع أنه حصل عليها بعد صدور كتابه (آيات شيطانية)، كثيرون ممن اطلعوا عليها لم يجدوا فيها ما يدفع إلى الإعجاب، واستشهد بقول الأديب محمد السيد في مقال نشر له في 21/6/ 2007م، في موقع المركز الإعلامي الإسلامي:

       "لقد نشرت روايته آيات شيطانية فلم أجد فيها ذلك الإبداع الذي يستحق التكريم والتبني لا من ناحية الشكل، ولا من ناحية المضمون، وإني لأشهد هذه الشهادة لكوني أكتب في مجال الأدب قصة ورواية ونقداً، إنها سرد ركيك يستجدي فيها الكاتب مخزون الكراهية في صدور الغربيين بطريقة ذليلة، وأسلوب متدن، وتقديم للنفس دنيء يستعدي به الغربيين أكثر على دينه وأهل ملته".

"ولقد مر معنا بعد آيات شيطانية تكريم لـ(تسليمة نسرين)، وذلك لأنها أفحشت في مهاجمة قواعد إسلامية راسخة، ولحقت بها أخرى الصومالية (إبان علي في هولندا)، فحازت التبني والتكريم لأنها قالت كذباً وزوراً وتجنياً على الإسلام.

ما نود أن نختم به مقالنا أن الفيصل في سيرورة أعمال الأدباء وتكريمهم في عالمنا المعاصر؛ ليس هو الإبداع غالباً، وإنما إرضاء زبانية الشرق والغرب في مهاجمة ثوابتنا وقواعد ديننا، أو الغيرة من أبناء بني جلدتهم –سامحهم الله–، أو حسد الأدباء عامة والسعي إلى تبكيتهم أو تجهيلهم.

 

 

 

 

تعليقات القراء
لاتوجد تعليقات على هذا المقال الى اﻷن

علق برجاء التدقيق اللغوي لما يكتب