المقالات
علامات الترقيم هي رموز كتابية عربية إسلامية، تساعد القارئ على تنغبم الكلام بأساليب الخبر والإتشاء والقطع والوصل والوقوف والاستئناف والاعترض وما أشبه ذلك. ولذلك فقد لاحظ علماء القرآن أهمية هذه الوسائل الدلالية، وهم يستخدمونها في القراءات عمليًّا، فوضعوا لها تقاليدَ معيَّنة تساعد على الأداء، ومصطلحاتٍ محدَّدة لتمييز بعضها من بعض، ورموزًا مخصوصة ضابطة ميسرة. وإليك ما كان لديهم من الوسائل الرمزية، تقابل المصطلح أو الحكم في القراءة، مع خلاف يسير في بعض المواقع:
الوقف الممنوع = لا، الوقف اللازم = مــ، الوقف الجائز = ج،
الوقف الجائز والوصل أولى منه = صلى الوقف الجائز وهو أولى من الوصل = قلى
تعانق الوقفين بحيث يوقف على أحدهما ويجب وصل الآخر = ··· ···
يضاف إلى ذلك ما يشار به إلى نهاية الآية بدائرة مرقومة، تفيد الوقف أحيانًا. وفي مجموع هذا تعبير عما يساعد القارئ مع زيادة ما لا يعرفه الترقيم المعاصر، وهو الوقف الممنوع، والسكتة اللطيفة لتمييز اللفظ الدقيق، أو بيان صورته الصوتية قبل ما يوجب ذلك ـ أعني: يا هذا، أو يا فتَى ـ والوقف الجائز بين الشطرين وبعد القافية والسجعة بحسب المعنى، وفي آخر السطر لمن لم يحفظ تمام العبارة،(1) وتعانق الوقفَينِ، وما كان فيه الوصل أو الوقف أولى. ثم تلا ذلك ما اصطُلِحَ عليه، من حروف ونقط وخطوط لأنواع الوقف على: السكون والروم والإشمام والتضعيف، وما ميًزوا فيه الإمالة والتفخيم والترقيق، والهمز والتشديد والتخفيف والمدّ والإدغام بأنواعهما، وكلًّا من التصويت(2) الاستثباتي والإنكاري والتذكري والترنمي. وهذا يعني، بالإضافة إلى أحكام الوصل والوقف والابتداء، وجوب مراعاة النبر والتفخيم والتلبث، لبيان مقاصد الخطاب.
أما المحدِّثون فقد جعلوا الدائرة المذكورة قبلُ(3) -وهي في الأصل كما قلنا للفصل بين الآيات الكريمة- لتمييز الحديثين أو الفقرتين أو الكلامين، واستخدموا حرف (ح) إشارة إلى التحويل من سند إلى آخر. وقديمًا اصطلحوا للعلامة بين المتعاطفين بما يشبه الفاصلة. ولعلك لاحظتَ أن هذه الإشارة الأخيرة، لكونها رسمًا للحرف (صـ)، تعني فعل الأمر: صِلْ، أي: أن الكلام متصل مع ما فيه من انتهاء بعض عبارته. فهي تشبه ما يراد بالفاصلة فيما نعرفه اليوم. وقد علق أستاذي الشيخ عبد الفتاح أبو غدة على ذلك بقوله:
(فهذا النص مُعلِمٌ بانتباه المحدِّثين إلى إنشاء الفاصلة بين السابق واللاحق، لدفع التداخل بينهما، أو لدفع التصحيف بتواصلهما... فهم مستقلّون في ابتكار أصل أنواع علامات الترقيم الضابطة والفاصلة، ولم يقتبسوها من غيرهم كالإفرنج. بل لو قيل: إنَّ الإفرنج أخذوها عنهم واقتبسوها من كتبهم، لما كان بعيدًا).(4)
وقد انتقل إلى أعمالهم الكتابية بعض ذلك، بما يناسب الموضوعات التي يسجلونها بالقلم. ولهذا فأنت ترى التراث الخطي تتوزع فيه أنماط مختلفة من العلامات التعبيرية.(5) فقد تجد من يكتفي بالحرف (هـ) وسيلة لختام الفِقرة، ومن يضع لهذا الختام دائرة فارغة أو منقوطة للدلالة أيضاً على المعارضة، ومن يجعل نقاطًا ثلاثًا (···) لذلك الختام، ونقطة ضخمة (·) للفصل بين شطرَيِ البيت الشعري، وقد تستخدم النقاط هذه وسيلة لإنهاء الجملة ضمن الفِقرة، ثم إذا انتهت الفقرة ختمت بالحرف (هـ).
1 ـ ثم أصبح افتتاح كل فِقرة بفراغ في مقدار كلمة صغيرة، حين الكتابة، إشعارًا ببدء الموضوع، أو الانتقال فيه من فكرة إلى أُخرى جديدة أو فرعية، كالذي تراه فيما يلي صفحات هذا الكتاب.
2 ـ الفاصلة أو الفصلة أو الشَّـولة (،) بين الجمـل والتفـريعات المتعاطفة، والتراكيب الطويلة في الجملة المديدة، وبين المنادى وجواب النداء، والقسم وجوابه، من الشعر والنثر. ولا يجوز أن تقع بين المتلازمين، كالفعل والفاعل، والمبتدأ والخبر، والشرط وجوابه. اللهم إلا أنه إذا طال ما بين العنصرين من هذه المتلازمات في التعبير وجبت إذ ذاك فاصلتان تميزان ما هو مطوَّل، ليعود اتصالها في التعبير والتفكير.
3 ـ النقطة (.) في ختام الكلام الذي يتم به المعنى، وفي ختام الفِقرة أو البحث، ولا تكون في الشعر أو في آخر البيت، إلا إذا كررت متوالية فيه، فتُسرد ثلاثًا للتعبير عن سقط أو نقص منه، على غرار ما سيرد تحت الرقم 10. وحبذا لو جعلت النقطة ضخمة في آخر الفِقرة، لتمييزها من النقاط التي بين الكلامين التامَّين.
4 ـ النقطتان (:) بعد قول أو ما يشبهه أو إجمال، يليه المقول والمحكي والتفصيل والتفسير والتمثيل، في الشعر والنثر.
5 ـ الشرطتان أي: خطا الاعتراض يحصر بهما الجملة الاعتراضية فقط. ويحسن ألّا يكونا في الشعر.
6 ـ الاستفهام (؟) يكون وجهه إلى اليمين، في الشعر والنثر، بعد تمام العبارة الاستفهامية فحسب، لتميزها مما سواها، ولو كان جملة نداء.
7 ـ التعجب (!) يقع في ختام العبارة التعجبية فقط، في الشعر والنثر أيضًا.(6)
8 ـ النجم (*) يكون إشارة إلى التهميش في بعض العناوين التراثية المحققة، ويقع بين اثنين منه الشطرُ المفرد في وسط السطر، وتكون ثلاثة منه فاصلًا بين الموضوعات المتباينة، تحت فصل واحد أو تحت عنوان متميز، ولا يجوز وضعه في وسط البيت الشعري.
9 ـ القوسان المعقوفتان [.....] لما يزيده المحقق أو الباحث تكملة لعبارة الغير، أو نقلًا من النسخ المساعدة والردائف للتحقيق، في الشعر والنثر.
10 ـ النقاط الثلاث (...) للتعبير عن بياض أو خرم أو إغفالِ ما لا يلزم في النص الشعري أو النثري.
11 ـ الخط المائل ( / ) لتحديد بدء كل ورقة من ورقات الأصل في نصوص التحقيق. ويقع هذا أيضًا بين الأرقام التاريخية: تاريخ اليوم والشهر والسنة.
12 ـ الهلالان المزهَّران ].....[ غير المصلَّبَينِ، ويقال لهما: الهلالان العزيزيّان أو القوسان العزيزيّتان، لحصر الآية الكريمة أو بعضها.
13 ـ الهلالان المزدوجان، أي: الأهلّة أو القُوَيسات «....» وهي علامات الاقتباس والتنصيص، للمحكي من العبارات وللكلام المنقول نثرًا فقط، كالحديثِ الشريف وأقوالِ العلماء والأدباء ما عدا الأشعارَ، والأمثالِ والعباراتِ المأثورة والحِكَمِ، ولبعض أسماء الكتب المسرودة في المتن.
14 ـ الهلالان، أي: القوسان الكبيرتان (....)، ويحصر بهما ما هو محكي من المفردات والتركيب، إذا وقع في نص ضمن الهلالين المزدوجين، وتحصر بهما أيضًا الموادُّ المعجمية التي يحال عليها في المتن أو الهامش.
15 ـ الشَّرطة، أي: الخط الأفقي الصغير (-) يقع بعد الأرقام التي يكون فيها تعداد لعناصر فكرة واحدة، وهو يَفصل بين الرقم والكلام، كما ترى هنا.
16ـ الخطان الأفقيان الصغيران (=) يقعان مرتين متواليتين: في آخر هامش الصفحة إذا لم يستوعب التعليقةَ الأخيرة، ثم في أول هامش الصفحة التالية، للدلالة على اتصال التعليقة في الصفحتين، ولا علاقة لهما بالموازاة. ثم للتعليقات الهامشية، في البحث أو التحقيق، مثل هذه العلامات التعبيرية، مع فارق يسير يناسب أسلوب التحشية عند علماء العروبة والإسلام مع أمثلة توضح لك ذلك.(7)
إن العلماء أو الأدباء حددت نهايته بالحرفين (اهـ) تعبيرًا عن القول: انتهى.
وقد شاع استعمال أقواس للآيات في الكِبتار، أي: الكمبيوتر، مزخرفة كل منها بصورة صليب مغلّظ، تضليلاً للمسلمين وتشويهًا للتوحيد القرآني. وهذا النموذج الخبيث ﴿**﴾ هو السائد في معظم البلاد العربية والإسلامية، لجهلِ أبنائها بمضامين صناعة الأجهزة وما لها من أنظمة وبرامج تنفيذية متهوّدة، والنقلِ لمنجزات العلوم بالتقليد الأعمى المَهين. فلْيُتنبّه لهذا في العمل العلمي الشريف. وقد نصحتهم في ذلك فلم يسمعوا نصيحتي، وقال أحد الزملاء باستهتار: وأيٌ ضرر في هذا؟ بل إنني رأيت المصحف الشريف بالتلفاز وآياته الكريمة محصورة بهذه الأقواس الخبيثة، بقي سنوات كذلك، ثم اختفى والحمد لله.
وهذا أخ كريم نصحته فكان جوابه رحمه الله: أَخِـي الْـحَـبِـيـبَ الأُسـْـتَـاذَ الـدُّكْـتُـورَ فَـخْـرَ الـدِّيـنِ حَـفِـظَـهُ اللهُ، جَـمَـعَـنــِي اللهُ وَإِيــَّـاهُ فــِي الْـفِـرْدَوْسِ الأَعْـلَـى، اللَّـهُـمَّ آمـِيـنَ، الـسَّـلامُ عَـلَـيـْـكُـمْ وَرَحْـمَـةُ اللهِ وَبــَـرَكَـاتُـهُ، وبعدُ: أَشـْـكُـرُكُـمْ عَـلَـى الـتَّـنـْـبِـيـهَـاتِ الْـعَـظِـيـمَـةِ الَّـتــِي أَشـَـرْتُـمْ إِلَـيـْـهَـا فــِي مـُـكَـالَـمَـتــِكُـمْ الأَخِـيـرَةِ، فَـقَـدْ رَأَيــْـتُ الـصَّـلــِيـبَ وَاضِـحًـا عِـنـْـدَ تَـكْـبِـيـرِهِ عَـلَـى جِـهَـازِ الْـكــِبـْـتَـارِ، وَقَـدْ بـَـدَا بـَـعْـدَ الـتَّـكْـبِـيـرِ جَـلــِيـًّـا هَـكَـذَا: (...) فَـجَـزَاكُـمُ اللهُ خَـيـْـرًا عَـلَـى ذَلــِكَ، إِذْ قَـلَّـمَـا يـَـلْـتَـفِـتُ الْـمُـتَـخَـصِّـصُ إِلَـيـْـهِ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش:
(1) انظر: فرائد العقود للحلبي، الورقة 20.
(2) الترقيم وعلاماته، ص10. وأغرب ما في ذلك هو جعل الضمة مقلوبة للدلالة على الإشمام. انظر: إصلاح المنطق، ص 420.
(3) علوم الحديث، ص165، و181.
(4) الترقيم وعلاماته في اللغة العربية، ص 8 من مطبوعة بيروت لعام 1316هـ.
(5) وعلى الرغم من هذا كله فإن المستشرقين وتلاميذهم المستغربين من العرب والمسلمين ليزعمون أن ما نستعمله نحن اليوم هو من إنجازات الغرب ورجالات الاستشراق, وأن أول من تنبه إلى ذلك هو أرسطوفان, من علماء القسطنطينية في القرن الثاني قبل الميلاد. والحق أن رجالات الاستشراق, عندما وقفوا على هذه الظواهر الفنية في أساليب التعبير الكتابي, لم يستوعبوا مقاصدها العملية, لبعدهم عن الحضارة الإسلامية وحقدهم عليها, فنقلوا بعضها بالتدريج والقصور, وحاولوا استخدامها فيما يكتبون أو ينشرون من تراثنا السليب, فوضعوا لها رموزًا جديدة للتعمية والانتحال, واضطربوا في التوظيف ومواضع الاستخدام.
(6) ما يزعمه البعض, من انفعال في هذا المقام يشمل غير التعجب, هو رجم بالغيب, وليس له مفهوم ولا علامة في الترقيم العربي.
(7) انظر: علم التحقيق، ص 362-416.
** الصورة للنوضبح: