من وحي الحج
كتب  د.محمد وثيق الندوي ▪ بتاريخ 31/05/2023 03:44 ▪ تعليقات (0) ▪ طباعة  أرسل لصديق  أرسل لصديق 

العدد 136

 

في هذه الأيام المباركة من أشهر الحج، تشرئب الأعناق، وترنو الأبصار، وتنجذب القلوب، وتتجه الأنظار، وتهوى الأفئدة، وتتطلع النفوس المسلمة إلى البقعة المباركة المقدسة التي اختارها الله تعالى لتكون محلاً لأداء المناسك، وهي مكة المكرمة، والمدينة المنورة، فهؤلاء الحجاج يتوافدون إليها عبر القارات والبحار، وقد قطعوا الفيافي والأجواء والقفار، يدفعهم الإيمان واليقين، وتقودهم الرغبة، ويحدوهم الشوق والحنين، ويحفزهم الرجاء والأمل فيما عند الله التواب الرحيم ، استجابة لهذا النداء ((وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)) (الحج:27).

الحج من أوله إلى آخره، وفي كل خطوة من خطواته حافل بكثير من المناسك والمواقف الرائعة التي تحدث في الإنسان الشعور بعظمة الله تعالى وقدرته، وفيها تمثيل للإطاعة المطلقة، وامتثال للأمر المجرد، وسعي وراء الأمر، وإجابة للطلب، والخضوع الكامل لأمر الله والعبودية الخالصة له، وتتجلى فيها الحكم والأسرار لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وفي كل واحدة من مناسك الحج تذكرة، للمتذكر وعبرة للمعتبر.

فالحج عبادة من أعظم العبادات، له من المقاصد والمنافع والحكم والآداب، ما ينبغي لكل مسلم أن يستشعرها، فمن أهم المقاصد والغايات وأعظم الحكم أن يكون الحج منطلقاً لإعلان التوحيد الخاص لله والعبودبية الخالصة له، وأن يكون منطلقاً لتجديد الدعوة إلى الحنيفية السمحة.

الحج ملتقى عظيم وفريد، وله مزايا وأهداف لو فطنت لها الأمة الإسلامية واستفادت منها لكان حالها خير وأفضل مما هي عليه، فقد جاءت الدعوة لهذا الملتقى من الله لنبيه إبراهيم عليه السلام ((وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ،ِليَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ، ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)) (االحج:27-29).

وهي دعوة عريقة أصيلة لا تتجدد، ومكان الانعقاد الدائم الذي لا يتغير هو بيت الله الحرام وأكنافه المقدسة.

وإن الأمة الإسلامية وهي على أبواب هذا الملتقى العظيم، يجب عليها أن تعمل بجد وصدق للخروج من المحن والمشاكل والأزمات التي أصيبت بها، فقد آن الأوان للمسلمين أن يأخذوا من هذا الملتقى الإسلامي العظيم الدروس والعبر في الوحدة والتضامن، والتعاطف والتكافل، والابتعاد عن التشاحن والتحارب،والتمزق والتشتت، والحج يجمع المسلمين رغم تباعد الديار والأقطار، وتباين الألسن واللغات، واختلاف الألوان والجهات، يجمعهم على دين واحد، ومنهج واحد، في مكان واحد، هو أول بيت وضع للناس.

والحج مرآة هذه الأمة، تبرز من خلاله صورتها بما فيها من حسن وجمال،أو قبح واختلال، لأن الحج هو مؤتمر هذه الأمة الأكثر عدداً والأعظم تنوعاً لوجود طبقات من الأمراء والعلماء والمثقفين والأدباء، والأعيان والجماهير والرجال والنساء، والشيوخ والشباب، وإن مرآة الحج تظهر صوراً من الخلل ونماذج القصور الذي لا يتفق وتلك المحاسن بل ربما يوجد ما يناقض ذلك المحاسن، فالحاجة تمس إلى معالجة هذا الخلل والقصور.

والحج يعلم الحجاج؛ كف اللسان، وضبط النفس، والسلم والسلام، والنصح والخير، واحتمال الأذى،وتحمل المشقة في أداء المناسك والواجبات والحقوق.

إن الحج موسم التطبيق العملي لوحدة الأمة الإسلامية حيث تذوب الفوارق من لون وجنس ولغة ووطن، وتعلن الوحدة في الوجهة والنية، وفي الأقوال والأعمال، وفي الزي والهيئة، وفي الوقوف والحركة، كما أنه يحمل في طيه ما يؤدي إلى تجديد الصلة بإمام الملة الحنيفية إبراهيم عليه السلام، والمحافظة على إرثه والمقارنة بين حياتنا وحياته، ويؤدي إلى التقاء وائتلاف النفوس، وتقوية أواصر الأخوة بالإضافة إلى ارتباط هذه الأمة بخالقها واتباعها لشرعه.

***

 

 

تعليقات القراء
لاتوجد تعليقات على هذا المقال الى اﻷن

علق برجاء التدقيق اللغوي لما يكتب