العدد 136
الخطأ في ترتيب الأولويات يكلف غاليا.. وترتيب الأولويات يكون حسب أهدافك في الحياة. ويجب أن تكون أهدافك في الحياة واضحة بالنسبة لك وإلا كانت حياتك فوضى عارمة ستنتهي نهاية لن تسرّك .
وأولوياتك في الحياة متعلقة بإجابتك على هذا السؤال : هل تريد الدنيا أم الآخرة؟ مع العلم أنك إذا أردت الآخرة لايعني القعود عن السعي في الدنيا، وإنما قد تملأ الدنيا قلبك فتشغلك عن مآلك فإذا باغتك الموت لم تجد زادا ينجيك ولا عملا ينقذك وهذا هو الخسران المبين .
وإن كنت تريد الآخرة فلابد أن تكون نيتك في كل عمل تقوم به مهما كان صغيرا أو كبيرا خالصا لله ... فماكان لله خالصا بقي معك ينير دربك وييسر الله به أمرك ويبارك لك به في كل خطوة من خطواتك ويشعرك بالرضى والسعادة وراحة البال حتى تدخل قبرك فيصحبك فيه ليضيء ظلمته ويؤنس وحشته ويربط به على قلبك حتى تقوم الساعة فيأخذ بيدك إلى الجنة... وماكان لغير الله لم ينفعك لا هنا ولا هناك ،وحتى لو اعتقدت أنه نفعك هنا فهي منفعة مؤقتة زائلة ، وحتى لو أسعدك هنا فهي سعادة وهمية تنتهي سريعا ويبقى مذاقها المرّ لأنها لم تكن لله خالصا.. وإذا أدركنا خطورة الغايات كان إعادة النظر في ترتيب الأولويات من أولى الأولويات قبل فوات الأوان.
إذا رتبت أولوياتك في يومك ترتبت حياتك ... فإذا حرصت على صلواتك في وقتها انتظمت باقي أوقاتك ، وإذا لازمت القرآن حلت البركة في كل أعمالك فإذا بك تنجز العمل الكثير في الوقت القليل ، وإذا داومت على الدعاء والذكر والاستعانة بالله في كل شأن من شؤونك فتح بصيرتك فهداك إلى ترتيب أولوياتك دون عناء، فإذا بك تفعل كل شيء في أوانه وربما أتى به إليك قبل أن تفكر فيه وتسعى إليه، ويُهديك فرصا ثمينة يعينك على انتهازها في وقتها واغتنامها قبل ذهابها كي لاتكون حسرة في قلبك ماتبقى من عمرك، ثم يجنّبك الوقوع في أخطاء تدفع ثمنها آلاما وأحزانا، ويساعدك على اتخاذ القرارات الصائبة والقيام بالخيارت المناسبة التي تجعلك تعيش حياة كريمة لاهمّ فيها ولا حَزن.. وهذا هو التوفيق من رب العالمين لعبده، يجنبه مشاق ومتاهات في دنيا هي دار ابتلاء ومحن لايثبت معها إلا من وثق بربه وقويَ إيمانه.
وتأتي مواسم الطاعات مثل رمضان والحج والأيام المباركة مثل الجمعة من كل أسبوع والأشهر الحرم وغيرها فرص من رب كريم لعباده لشحذ الهمم وتقوية الإيمان والتزود بما يعين على الصبر والثبات، فهي محطات وقود لايمكن للعاقل أن يستمر على ثباته إلا بالوقوف عندها واغتنامها لأنها قد لاتعود مرة أخرى لانتهاء أجلنا في هذه الحياة الدنيا.
في بدايات العمر ومرحلة الشباب والقوة والاندفاع لن ينجح في ترتيب أولوياته إلا من وفقه الله لذلك فضلا منه ورحمة، لكن في نهايات العمر ومع مشاعر الضعف والعجز والمرض واقتراب الأجل تتضح الرؤية وندرك الى أي حدّ أخطأنا في ترتيب أولوياتنا، فنتحسر على كل جهد أو وقت أو مال ضيعناه في غير موضعه أو بذلناه لمن لا يستحقه... نتحسر على كل مسعى سعيناه لم يكن خالصا لله...
لكن الأوان لم يفت بعد فالعبرة بالخواتيم ، وما دمنا أحياء لم نغرغر فلدينا كل الفرص لمراجعة قراراتنا والنظر في اختياراتنا وإعادة ترتيب أولوياتنا ، فقط علينا أن نتوقف بين الحين والحين لنعيد التفكير في كل تفاصيل حياتنا والتأكد بأننا نسير في الطريق المستقيم ولم نحِد عنه... ولنجتهد أن نمنح أفضل أوقات عمرنا لأفضل أعمالنا ولا نؤخرها أو نؤجلها لأوقات التعب والضعف والمرض والهرم.
وإن تحسرت على أي شيء فاتك أو ندمت على ماأذنبت أو قصرت أو فرطت فيكفي أن تعترف -بينك وبين نفسك أمام خالقك- بأخطائك وتتوب إلى ربك فيعوضك ربنا الرحيم خيرا مما فاتك ويدبر لك أمرك ويجبر كسرك ولو في آخر عمرك... ويظل ربنا الكريم فاتحا لنا أبواب رحمته قابلا التوبة منا مهما طال إعراضنا عنه، ويأبى إلا أن يسهّل لنا أسباب دخول الجنة فضلا منه ورحمة، فالحمد لله رب العالمين.