العدد 135
رحلة جبلية صعبة إذا استعرنا عنوان السيرة الذاتية للشاعرة الفلسطينية (فدوى طوقان).. رحلة تنوء بها العصبة أولو القوة، وتحملها الأمراني وحده، بحثاً عن الحب في فضائه الكبير، وفي حفره المعتمة، في سمائه الواسعة، وفي منحدراته العميقة.. قراءة في كتابه الذي ينطوي على المضيء والمعتم، على الأبيض والأسود، على المستقيم والمعوج.. رحلة مترعة بالخصب في تراث البشرية من أقصاه إلى أقصاه، من أجل وضع يده على هذه الخبرة الموغلة في وجدان بني آدم.. في عقولهم وإحساسهم.. في أرواحهم وأجسادهم.. في لحمهم وعظمهم.. موغلة حتى النخاع.
إذا أردتم تناول وجبة دسمة وأنتم تتجولون في أروقة الحب المصعد إلى السماء، والمنتكس في أوحال الأرض، فلكم أن تقرؤوا هذا السفر الذي لم يترك شاردةً ولا واردةً، والذي جمع فأوعى..
لقد أعمل الأمراني مشرطه، وهو يواصل قراءته في كتاب الحب لكي يقول للناس: هذا حلال وهذا حرام، ولكي يؤشر على مظان الطهر والوضاءة، وينزل إلى سراديب الظلام والدُّجْنَة، عبر رحلة صبورة في حضارات البشرية كافة، منذ عصور تشكُّلها الأولى وحتى اللحظات الراهنة، حيث تتحقق نبوءة القرآن الكريم: (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً)
(النساء:27).
فها هنا عبر صفحات الكتاب الذي يسطره الأمراني، كم انحرفت السبل في دروب المحبة!.. وكم أصبح الميل العظيم هو القاعدة وغيره الاستثناء!..
فوالله لولا تعاليم الأديان.. لولا إشارات المرور المحكمة التي جاء بها خاتمها الإسلام بخصوص العلاقة بين الرجل والمرأة، لتحولت الحياة البشرية من أقصاها إلى أقصاها، إلى غابة ينزو فيها الذكر على الأنثى، والذكر على الذكر، والأنثى على الأنثى، ولغدت المرأة التي كرمها الله سبحانه وتعالى، سلعةً رخيصةً تباع وتشترى على شاشات الإعلان، ولأصبحت الحياة البشرية ماخوراً كبيراً يعج بالسلوك الملتوي الذي يبحث عن لقمته السيئة، ويطفئها بأحط الأساليب تماماً كما قالت به يوماً نظرية (كأس الماء) التي طرحها عالم النفس الشيوعي (الدكتور وليم رايخ) في كتابه (وظيفة الشهوة الجنسية)، وهو رجل من أتباع فرويد، والذي يزعم فيه أن الفشل الجنسي يسبّب تعطيل الوعي السياسي لدى الطبقة العاملة، وأن هذه الطبقة لن تتمكن من تحقيق إمكانياتها الثورية ورسالتها التاريخية إلا بإطلاق الحافز الجنسي دون حدود أو قيود!.
لكن هذا كله ليس خاتمة المطاف، فهناك عبر قراءتنا في كتاب الحب هذا يقودنا الأمراني في صفحاته المضيئة إلى الجانب الآخر.. الجانب الذي يشع وضاءةً وطهراً، فيبحث وينقب في آيات الله البينات، وفي سنة رسوله (عليه أفضل الصلاة والسلام)، وفي التراث الفقهي الخصب للأمة الإسلامية، وفي سلوكهم الواقعي الذي شكل تاريخهم، وفي مقولاتهم المدهشة، ومصنفاتهم التي تحدثوا فيها عن الحب فأحسنوا الحديث..
إنها سنة الله سبحانه وتعالى في الخلق، أن تتحقق الحياة البشرية بقدر من التوازن
بين السلب والإيجاب لكي تقدر على مواصلة الاستمرار، وأن تشهد وتمارس الحب في صفائه وتألقه، جنباً إلى جنب مع أولئك الذين سحبوه إلى الأسفل.. إلى سراديب الجنون والدُّجْنَة، كما يقول (فاولي) في كتابه (عصر السريالية).. وكما نشهده بأم أعيننا ونحن نتجول في شوارع باريس ولندن ونيويورك، وغيرها من بلدان العالم الذي كتب عليه منذ لحظات نشأته الأولى، أن يلتقي فيه عبر مسيرته المتطاولة الأبيض والأسود، والمضيء والمعتم، والعالي والسافل.. وذلك ما يريد الأمراني أن يحدثنا عنه، بصبره ودأبه على البحث والمقارنة والاستقصاء.
إن كتابه هذا بحق هو صفحة رائعة في مكتبة الأدب المقارن، إذا جازت التسميات، وهو سيضيف إلى ما سبق أن قيل في الموضوع صفحات أخرى مترعةً بالوقائع والشهادات. إنه كتابُ جديرُ بالقراءة من بدئه حتى منتهاه.