رجال في ذاكرتي: الروائي نجيب الكيلاني رحمه الله
كتب  يحيى حاج يحيى ▪ بتاريخ 19/04/2023 11:43 ▪ تعليقات (0) ▪ طباعة  أرسل لصديق  أرسل لصديق 

العدد 135

 

قبل اللقاء به بسنوات طويلة عرفناه من خلال رواياته التي كانت تطبع في بيروت في الستينيات والسبعينيات، ووجدنا فيها فناً وموضوعاً راقيين سواء التاريخي منها أم المعاصر الذي يتحدث عن الواقع كما في روايته (النداء الخالد) التي تدور أحداثها في قرية من قرى الريف المصري، ورواية (رحلة إلى الله) التي تعد نموذجا للرواية السياسية الواقعية، أو الثلاثية التي حملت عنوان روايات إسلامية معاصرة (عذراءجاكرتا) و(عمالقة الشمال) و(ليالي تركستان)، وغيرها من الروايات ذات المنطلق الإسلامي التاريخي والمعاصر.

حتى كتب لنا اللقاء به في المدينة المنورة في منزل الأديب الراحل د.عبد الباسط بدر -رحمه الله- المهتم بالأدب الإسلامي، والذي كان يستضيف كثيرا من رواد الأدب الإسلامي! كان لقاء مفعما بالفائدة والصراحة.

عرفه بي الدكتور عبد الباسط أنني ممن يكتب للأطفال شعرا وقصة، فشجع وسدد، ومما قاله: أنا أستغرب ممن يكتب للأطفال بلغة يحتاج بعض الكبار إلى معرفة مدلولات ألفاظها، وضرب مثلاً دون أن يحدد اسم الكاتب باستعمال: أعزائي الصغار نحن بصدد، ولعلكم تفقهون معناها وغير ذلك!.. وكان له نظرات واقعية صائبة مع العلم أنه لم يكتب للأطفال؛ وظل أدبه يدور في عالم الكبار!

وهذه الملاحظات أودعها في كتاب صدر له في عام ١٩٨٦م، وقد جاء في بعض ما قاله: (أدب الأطفال يلعب دوراً بارزاً وخطيراً في هذا المجال، وما نقدمه في هذا الكتاب ما هو إلا محاولة متواضعة في وضع تصور صحيح لمفهوم هذا الأدب على ضوء تعاليم الإسلام وتجربته الحضارية الفذة دون إهدار للقيم الجمالية لكل نوع من أنواعه).

 وهو يرى أن قضية الطفولة تحتل أولوية مطلقة، وذلك ما نراه في دراسات وبرامج المؤسسات المعنية سواء في ذلك الإعلام والتربية والتعليم والصحة والفنون بشتى أشكالها.

وحل مشكلة الطفولة -في نظره -هو الخطوة الأولى لإصلاح مسار الحياة والتغلب على تعقيداتها وسلبياتها وهمومها. وكان كتابه هذا من أهم المراجع التي اعتمدتها في كتابي: (القصة وأثرها في الطفل المسلم),

 ومما لفت نظري في هذا اللقاء صراحته وبساطته وزهده -رحمه الله- حين نقل له أحد الحاضرين من أن دور النشر تطبع وتنشر قصصه متجاوزة حقوق الطبع طمعا في شهرته ورواج الاسم!.. فحمل جوابه نظرته الراقية إلى رسالته في الأدب قائلاً: يا أخي أنا لا أهتم كثيراً بمتابعتهم ومحاسبتهم، حسبي في هذا المجال أن فكري وآرائي تنتشر بين الناس!.

وفي مجال تصويره المرأة في بعض قصصه اعترض عليه بعض الدارسين كما في (رأس الشيطان) (وفي الظلام) و(اليوم الموعود)، وقد أشار إليها الكاتب د.عبد الله بن صالح العريني في كتابه الاتجاه الإسلامي في أعمال نجيب الكيلاني القصصية، يقول: وتصوير الكاتب المرأة وما يتصل بها من قضايا لم يخل من بعض الهنات التي كان من الأفضل ألا يكون لها وجود في إنتاج الأديب المسلم!. وكذلك فعل الناقد محمد حسن بريغش في كتابه القصة الإسلامية المعاصرة: دراسة وتطبيق؛ إذ يقول: لابد من التوقف عند موضوع المرأة والجنس في هذه القصة (الربيع العاصف) لأنها تلفت النظر حقاً، وإذا كان هناك بعض الضرورات للتوقف عند هذه المشاهد أو وصفها بما يتناسب معها، وبما يكفي لإيضاح الصورة والوصول إلى الغرض من القصة، فإن هذه ضرورات تبقى في حدود واضحة!.

وفي رأي الدكتور نجيب رحمه الله أنها لا تنقص من القصة، والمهم لديه هو الانطباع الأخير لدى القارئ.

وكنت قد نشرت دراسة عن مجموعته القصصية (دموع الأمير) وذلك في مجلة المجتمع عام ١٩٨٧م، في العدد (808)، وما بعده بعددين، وأشرت إلى قصة العرش المحطم، حين اتخذ من شخصية السلطان عبد الحميد رمزاً للطغيان على أنه لم يوفق في ذلك بينما حالفه التوفيق في بقية قصص المجموعة.

وقد عرضت لأكثر قصصه ورواياته بالدراسة والتقويم في كتابي (موسوعة القصص التربوي) وبلغت خمساً وثلاثين رواية وقصة ومجموعة قصصية!..

رحم الله الطبيب الأديب والروائي نجيب الكيلاني على ماقدم، وهو ينطلق من قوله تعالى: ((إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)) (سورة هود88).

 

تعليقات القراء
لاتوجد تعليقات على هذا المقال الى اﻷن

علق برجاء التدقيق اللغوي لما يكتب