العدد 135
معارضتي لرائعة أمير الشعراء أحمد شوقي رحمه الله عنه (رمضانُ ولَّى) والمنشورة بصدر صحيفة المؤيد في الثلاثين من شهر رمضان سنة 1321هـ.
رَمَــضَـانُ وَلَّـــى حَــامِـــلًا أَشْــواقِـي
صَــــوْبَ الـحَـنِـينِ لِـنَـبْـعِهِ الــرَّقْـرَاقِ
فَـــــــلَـكَمْ سُـقِيتُ بِـكأْسِهِ فـي حَـضْرَةٍ
طَــابَ الـــشَّـرابُ بِـهَا وَجَـلَّ الـسَّاقِي
لَـــــمْ أُسْـــــقَــهُ إلَّا دِهَــاقًــا إِنَّــنِــي
(أُسْـقَى بِـكَـــــأْسٍ في الهُمُومِ دِهَاقِ)
لَمْ أرْتَــوِ يا شَـهْـرُ مِــنْ راحٍ جَـرَت
مِــلْءَ الــكُـؤُوسِ بِـحَـانَـةِ الـعُـشَّاقِ
أَخْفَى الـكُؤُوسَ عَنِ العَوازلِ صَفْوُهَا
ودِنَـانُـهَـا غَــابَــت عَـــنِ الأَحـــدَاقِ
قَــد أَشْـرَبَـتْ مِـنِّـي مَـوَاجِـيدَ الـصَّفَا
والـــــــشَّوْقِ عِـشْقًا فـي دَمِ المُشْتَاقِ
ولَهَا رَحِــيــقٌ كــالـزُّهُـورِ مُــنَــوَّعٌ
وتَـنَوَّعَـت مِــزْجًــا بِــكُــلِّ مَــــذَاقِ
مـا اسْـتَقْبَلَتْ رُوحِـي شُعَاعَ عَقِيقِهَا
إلا الـتـقـيْتُ عــلـى مَـــدَاهُ وِفَـاقِـي
يا صُحبَةَ الأَروَاحِ يا شَـهرَ الـهُدَى
يـــا مَــوْسِـمَ الـنَّـفَـحَاتِ والإِشـفَـاقِ
أَهْــفُـو لِـلَـيْـلٍ فِـيـهِ بَــدرُك مُـشْـرِقٌ
بـالـبِـشْرِ يُــهْـدِي أَنــفَـسَ الأعــلَاقِ
مــا كــانَ أَقْـصَـرَكُمْ عَـلَى عُـشَّاقِكُمْ
وأَجــلَّـكُـمْ فــــي طــاعـةِ الــخَـلَّاقِ
يَـرنُـو إِلَـيْـكَ الـقَلْبُ يا شَـهْرَ الـقِرَى
والعَـفْـوِ والــرَّحَــمَـاتِ والإِعـــتَــاقِ
هَـلْ كُـنْتَ ضَـيْفًا أَسْـتَضِيفُ صِـيَامَهُ
أَمْ كُـنْـتَ قَـلْــبًا يَـسْتَضِيفُ خِـفَاقِي!؟
يــا وَيْــحَ قَـلْبِكَ مِـنْ خِـفَاقٍ لَـمْ تَـزَلْ
تَــهْـفُـو لِـلُـقْـيَـا تَــرْتَـضِـي خَـفَّـاقِـي
هَـــلْ بَــعـدَ حِــيـنٍ أَلْـتَـقِـيكُمْ ثَـانِـيًا
وَأَرى هِــلَالَــكَ ذَا الـسَّـنَـا الــبَّـرَّاقِ؟
يـا ربِّ فَـامْـنُـنْ عَــلَّ نُـــورَ هِـلَالِـهِ
يَــبْــدُو كَــبُـشْـرَى رَحـمََـةِ الـــرَّزَّاقِ
وبــــهِ أُسَـــرُّ بِـمَـحـوِ ذَنْــبِـي كُــلِّـهِ
(إِنْ كَــانَ ثَــمَّ مِــنَ الـذُّنُوبِ بَـواقِي)
يـا شَـهْرَ خَـيْرٍ غِـبْتَ في زَمَنٍ مَضَى
وَرَحَـلْتَ تَـحمِلُ مِـنْ لَـظَى أَشْـوَاقِي
أَيْــــنَ الـلَّـيَـالِـي بـالـقِـيَامِ تَـطَـلَّـعَتْ
فِــيـهَـا الــقُـلُـوبُ لِــمَـالِـكِ الأَرْزَاقِ!؟
أَيْـــنَ الـنَّـهَـارُ مَـــعَ الـصِّـيَـامِ ثَــوابُـهُ
أَفْــنَـى الــذُّنُـوبَ بِـرِبْـقَةِ الأَعـنَـاقِ!؟
أَرجُـــو ثَـــوَابَ صِـيَـامِـكُم وقِـيَـامِـكُمْ
يَـــوْمَ الـقِـيـامَةِ أَنْ يَــكُـونَ عَـتَـاقِـي
يـــا صَــفْـوَةَ الــدَّهْـرِ الـمُـكَرَّمِ وَقْـتُـهُ
فـــي آيِ ذِكـــرٍ مِــنْ لَــدُنِّ الـــبَـاقِي
كَـمْ ذَا طَـرَقتَ قُـلُوبَنَا غَـــسَقَ الدُّجَى
تَـشْـفِـي عُــيُـونَ مُـــؤَرَّقٍ عَـــــشَّـاقِ
فَــتَــقُـولُ: هَــيَّــا لــلـصَّـلاةِ فَــإِنَّـهَـا
عُـــلْــوِيَّــةٌ قُــدسِــيَّــةُ الإِغــــــدَاقِ
هَــيَّـا إلـــى الــقُـرآنِ والـنُّـورِ الــذي
خَـلَّـى فُـصُـوصَ الــرُّوحِ مِــنْ أَوْهَـاقِ
لِـيَـكُـونَ مِـنـهَـاجَ الـحـيـاةِ بِـأَسـرِهـا
ولِــــكُـــلِّ دَاءٍ أَنــــجَـــعَ الــتِّــريَــاقِ
حَــزِنَ الـزَّمَـانُ عَـلَى فِـراقِ هِـلَالِكمْ
والــمــؤمـنـونَ وصـــالِــحُ الأَرْفَـــــاقِ
●☆●☆●☆
يـا بَـعضَ عـامٍ كَلَّ عَنْ حَمْلِ الأَسَى
ولــحُــزنـهِ صـــبــرٌ جــمــيـلٌ بـاقِ
حَــــزِنٌ أبُـــوكَ لِـفَـقْـدِ إِبـــنٍ صَـالـحٍ
بَـــــرِّ الــبُــنُـوَّةِ طَـــيِّــبِ الأَعـــرَاقِ
يَشْكُو العُقُوقَ مِنَ الشُّهُورِ؛ فَجَوْرُهُمْ
لَـــمْ يُــبْـقِ عَــهْـدًا مُـوكَـدَ الـمِـيثَاقِ
قَــد أَجْـمَـعُوا أَمْـرَ الـعُقُوقِ بِـمَكْرِهِمْ
ومِــنَ الـعُـقُوقِ فَـمَـا لَـهُـمْ مِـنْ وَاقِ
أنتَ الـكَريمُ مِـنَ الـشُّهُورِ ومُـخْلَصٌ
فُــقْــتَ الـشُّـهُـورَ بِـحُـسْـنِكَ الأَلَّاقِ
فَـكـأَنَّ حُـسْنَكَ مِـنْ مَـلَاحَةِ يُـوسُفٍ
وَكَـــأنَّــهُ يَــعـقُـوبُ فِــيــكَ يُــلاقِــي
●☆●☆●☆
أَنَـا لَا أُعَـارِضُ شِـعرَ شَـوْقِي مِـثْلَهُمْ
بـالـهَـجـوِ والـتَّـجـريـحِ فـــي الأَذْواقِ
هُـــــمْ لـــوَّمُــوهُ وَأَثَّــمُــوهُ لِــبَـوْحِـهِ
بـالــرَّمْــزِ والإِيـهَــامِ والإِغْــــــلَاقِ
وتَــغــافَـلُـوا أَنَّ الــبَــلَاغَـةَ شَـــأْنُــهُ
ومَــــجَـــازُهُ رَمْـزِيَّـــة الأَشْــــــوَاقِ
والــوَجـدُ حَـــالٌ لَـــوْ تَـكَـتَّـمَ سِـــرُّهُ
لاسْــتَـلَّ سَـيْـفًـا مِـــــــنْ دَمٍ مُـهْـرَاقِ
هُــوَ لَــمْ يُـرِد خَـمْراً يُـصَدِّعُ سُـكْرُهَا
وبِــشُــرْبِـهَـا دَارَت رُؤُوسُ حِـــمَــاقِ
لَــكِــنَّـهُ يَــهْـفُـو لِــشُــربِ مُــدَامَــةٍ
مِـــنْ كَــوْثَـرٍ.. مِـــنْ نَـبـعِـهِ الـدَّفَّـاقِ
مِـنْ خَـمْرِ نَـهْرٍ فـي الـجِنَانِ عَـجِيجُهُ
وإِلـيْـهِ سِـيقَ الـشَّوْقُ خَـيْرَ مَـسَاقِ
ومِــزَاجُـهَـا دَمْــــعُ الـمَـتَـابِ تُـرِيـقُـهُ
رَهْـــبَــاتُ قَـــلْــبٍ بــالـرَّجَـا تَــــوَّاقِ
كَـافُـورُهَـا يَــسْـرِي شَــذَاهُ مُـضَـوِّعًا
جَـنَـبَـاتِ شَـــوْقٍ لـلـنَّـعيمِ مُــسَـاقِ
فَـلَـعَـلَّ سُـلْـطَـانَ الـمُـدَامَـةِ مَـخْـرَجٌ
(مِــنْ عَـالَـمٍ لَــمْ يَـحـوِ غَـيْـرَ نِـفَاقِ)
سُـلْـطانُ مُـلْـكِ الـعـاشقينَ سَـلِيفُهُ
فــي ذِكْــرِ حَــانٍ والـسِّبَا والـسَّاقِي
لَـمْ يُـسْقَ مِـنْهَا غَـيْرَ صِـرفِ عَـتيقِهَا
فـــي كُـــلِّ كَــأْسٍ أُتـرِعَـتْ بِـرُحَـاقِ
أَوَمَـــا رَأَوْهُ بـشِـعـرِهِ" وُلِــدَ الـهُـدَى"
فـالـكـائِـنَـاتُ تَــفِـيـضُ بــالإِشْــرَاقِ؟
أَوَمَــــا رَأَوْهُ بِــنَـهْـجِ بُــردَتِــهِ الــتـي
فَـــاقَــت بــمَــدحٍ لــلْـعُـلَا سَــبَّــاقِ
لَـــمْ يَـسْـأَلُـوهُ غَــدَاةَ "ثُــوِّبَ قَـلْـبُهُ"
مَــــنْ أَبْـــدَلَ الـتَّـقْـيِيدَ بــالإِطـلَاقِ؟
مِـدحَـاتُ حُــبٍّ فـي الـحَبيبِ مُـحَمَّدٍ
فَــاقَــتْ بَــلِـيـغَ مَــدَائِــحِ الـسُّـبَّـاقِ
مَـا ضَـرَّ شَـوْقِي هَجْوُهُمْ؛ فَحُرُوفُهُمْ
زَبَــــدٌ بِـبَـحـرٍ شَـــطَّ عَـــنْ أَعْــمَـاقِ
●☆●☆●☆
يـا مَـنْ نَـظَرْتَ إلـى الـقَصِيدةِ مُـغْفِلًا
"عِـلْـمَ الـبَـدِيعِ "الـشَّـاسِـــع الأَمْــوَاقِ
لَـوْ كُـنْتَ تَـذْكرُ مَـا "الـمُفَارَقَة" الـتي
تَـجـلُو الـمعَانِي فـي غَـرِيـــبِ شِـقَاقِ
أَوْ كُـنْتَ تَـلْمَحُ "حُـسْنَ تَـعلِيلٍ" عَـزَا
لـلـشَّـيء حَـــالًا غَــيْـرَ ذَاتِ وِفَـــاقِ
أَوْ كُـنْتَ تَـجنِي فـي اتِّـسَاع قَـرِيضِهِ
سَــجـعًـا وإِيــهَـامًـا ونَــــوْعَ طِــبَـاقِ
أَوْ كُـنْـتَ تَـــــشْـهَدُ مَـا الـمُبَالغَة الـتي
ضَمَّت غُـلُــوًّا زَادَ عَــــنْ إِغْــــــرَاقِ
أَوْ كُـنْـتَ تَـلْحَظُ مَـا الـمُشَاكَلَة الــــتي
هِــيَ تَـسْتَعِيرُ الـلَّفْظَ ضِـمْنَ سِـيَــــاقِ
لَـوْ كُـنْتُ تُـدْرِكُ فـي الـبلاغة روحَها
مـــا قُــلْـتَ حَـرفَـاً لا يَـقُـومُ بِـسَــاقِ
أَنَـسِـيـتَ أَنَّ الـشِّـعْـرَ رَوْضٌ وَاسِـــعٌ
يُــغْــرِي الــبَـيَـانَ بــأَبْـعـدِ الآفـــاقِ؟
فَـلَـئِنْ عَـدِمْـتُك عِـنْـدَ بَـعْـضِ كُـرُومِهِ
لا تُـحـصِـهِ فـــي جُـمْـلَـةِ الـفُـسَّاقِ
فَـهُـنَـاَك قَــد تَــدرِي حَــلَاوَةَ كـأسـهِ
بــلِــسَــانِ حَـــــالٍ لــلــهَـوَى ذَوَّاقِ
●☆●☆●☆
يــا سَـيِّـدَ الـشُّـعَراءِ يــا نَـهْـرًا جَـرَى
كـالـنِّـيلِ بـالـشِّـعرِ الـبَـديـعِ الـرَّاقِـي
يـــا أَيُّــهَـا الـحِـنْـذِيذُ بـالـنَّغَمِ الــذي
يَــدعُــو الــعَـنَـادِلَ فــيــهِ لــلإطـرَاقِ
هــذا لِـسَـانُكَ فــي الـزَّمـانِ تَـبَـوَّأَت
مِــنْــهُ الــقَـوَافـي مِـنْـبَـرَ الـعِـمْـلَاقِ
فَـبَـدَا قَـريـضُـكَ بـالـعَـطَايَا وَاصِلًا
أَهْـــــلَ الــبـيـانِ بِــوَابِــلِ الإِنْــفَــاقِ
وتــشَـنَّـفَـتْ أُذُنُ الــزَّمَــانِ بــحَـرفِـهِ