الرسائل الديوانية في العصر العباسي الثاني 232-334 دراسة في المضامين والأساليب للباحثة رندا حسين دبوس
كتب  محمد عباس عرابي ▪ بتاريخ 20/03/2023 01:40 ▪ تعليقات (0) ▪ طباعة  أرسل لصديق  أرسل لصديق 

 

 

 

 الرسائل الديوانية في العصر العباسي الثاني 232-334ﻫ، دراسة في المضامين والأساليب للباحثة رندا حسين دبوس بإشراف الدكتور ياسين عايش خليل، وهي دراسة قدمت استكمالاً لمتطلبات درجة الماجستير في اللغة العربية وآدابها لكلية الدراسات العليا- الجامعة الأردنية، تشرين الثاني 2009م.

 وفيما يأتي عرض لهذه الدراسة:

ملخص الدراسة:

 بينت الباحثة أن هذه الدراسة تناولت موضوع "الرسائل الديوانية في العصر العباسي الثاني"، على امتداد قرن من الزمان يمتد من (232-334ﻫ)، وقد نبعت أهمية هذه الدراسة من أهمية الرسائل الديوانية نفسها في أنّها شكلت مصدراً تاريخياً سياسياً هاماً ومادة معرفية لنبض الحياة الاجتماعية والثقافية، ورسمت صورة واضحة المعالم لهذه الحياة. وبينت أنه كان لديوان الإنشاء الدور الأكبر في إنشاء هذه الرسائل، إذ بيّنت هذه الدراسة كيف كانت الكتابة جسراً يرتقي الكتّاب من خلاله إلى مناصب رفيعة في الدولة قد تصل بهم غالباً إلى اعتلاء سُدّة الوزارة. وأشارت إلى أنه قد واكبت الأحداث التاريخية التي شهدتها الدولة العباسية في هذه الحقبة تحولات جذرية كبيرة ومثلتها خير تمثيل، فكان من أبرزها هيمنة العناصر التركية على سياسة الدولة، وظهور حركات تمرد وفتن كثيرة استنزفت موارد الدولة؛ منها فتنة الزنج، وحركات القرامطة إلى جانب ظهور الدول المستقلة؛ كالدولة الطولونية، والدولتين الإخشيدية والفاطمية.

وبينت الباحثة أن هذه الرسائل عبرت عن علاقة الدولة العباسية بدولة البيزنطيين بشقيها: السلمي والحربي. فضلاً عن ظهور أنواع المخاطبات والموضوعات الإدارية التي كان من أهمها: المبايعات والعهود، والمخالعات أو العزل، والبشارات والمنشورات، والتهديدات والتوقيعات التي كشفت عن حرص الدولة على إدامة التواصل مع رعيتها. وبينت أن الدراسة تناولت عدداً من الخصائص الفنية التي امتازت بها الرسائل الديوانية، فتحدثت عن مطالع الرسائل وخواتيمها، وألفاظها وعباراتها، وأساليبها وصورها البيانية، ومدى إفادة الكتّاب وتأثرهم بالقرآن الكريم، والحديث النبوي، وبالتراث العربي الإسلامي من الشعر العربي، والأمثال العربية والحكم.

أهمية الدراسة:

ذكرت الباحثة أن أهمية دراسة الرسائل الديوانية تكمن في أنّها تشكل مصدراً تاريخياً مهماً ومادة معرفية لنبض الحياة الاجتماعية والثقافية، على امتداد قرن من الزمان يمتد من 232-334ﻫ، إذ شهدت هذه الحقبة تحولات جذرية كبيرة كان من أبرزها هيمنة العناصر التركية على سياسة الدولة العباسية، وظهور حركات تمردٍ وفتن كثيرة استنزفت موارد الدولة؛ منها فتنة الزنج في البصرة، وحركات القرامطة وما أحدثوا من ويلاتٍ وتخريب في المدن، إلى جانب ظهور الدول المستقلة التي طمحت في الاستقلال بالسلطة والانفصال عن الخلافة العباسية؛ كالدولة الطولونية في مصر والشام، والدولتين الإخشيدية والفاطمية في منافستهما للخلافة العباسية في بغداد. كما تسهم دراسة هذه الرسائل في رسم معالم إضافية بارزة لطبيعة العلاقة بين الدولة العباسية والدولة البيزنطية، وتصف ملامح الحياة الاجتماعية والثقافية في هذه الحقبة.

وبينت الباحثة أن هذه الدراسة تطمح في أن تمكننا من استجلاء السّمات الفنية التي كانت سائدة لهذا الضرب النثري، واستخلاص المضامين التي حملتها تلك الرسائل في ثناياها ضمن تصنيفها في شعبتين كبيرتين: الرسائل الديوانية في الشؤون الداخلية والرسائل الديوانية في الشؤون الخارجية، مع بيان أشهر الأغراض التي من أجلها كتبت تلك الرسائل بشقيها.

وهذا فضلاً عن سعي هذه الدراسة إلى التعريف بأشهر الكتّاب بين ثنايا البحث واستخلاص السّمات الفنية لأساليبهم جملة، ومن هؤلاء الكتّاب:

1- إبراهيم بن المدبّر الكاتب.

2- إبراهيم بن العباس بن محمد الصولي.

3- أحمد بن الخصيب.

4- أحمد بن إسرائيل.

5- محمد بن عبد الله بن طاهر.

6- سعيد بن حُميد.

7- علي بن مقلة.

8- بنو وهب.

9- بنو ثوابة.

الدراسات السابقة: بينت الباحثة أن ثمة دراسات سابقة عُني الباحثون فيها بدراسة رسائل معينة من رسائل العصر العباسي بشتى أنواعها ديوانية وإخوانية وأدبية ونقدية ورمزية، منها ما ورد في كتاب الدكتور شوقي ضيف "العصر العباسي الثاني" الذي تناول فيه جوانب الأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية بشكل عام في هذا العصر، مكتفياً بالتعريف بتلك الرسائل وموضوعاتها المختلفة مع إبراز دور الدواوين، ومنها ديوان الرسائل الذي كان له الدور الأكبر في نشاط الكتابة وازدهارها.

وبينت الباحثة أن مثل تلك الإشارات الواردة في دراسة الدكتور حسني ناعسة عن الرسائل الرسميّة والشخصية في كتابه "الكتابة الفنية في مشرق الدولة الإسلامية في القرن الثالث الهجري"؛ هو دراسة لبيئة الكتّاب، وأوضاعها الدينية واللغوية..، ومَن كان فيها من علماء في القراءة والتفسير والفقه والحديث واللغة والعلوم المختلفة.

وذكرت الباحثة أن ما جاء في كتاب الدكتور محمد محمود الدروبي "الرسائل الفنية في العصر العباسي حتى نهاية القرن الثالث الهجري"، إذ عُني الدروبي في دراسته هذه ببناء صورة واضحة القسمات للرسائل الفنية بأنواعها في العصر العباسي على امتداد قرنين من الزمان منذ قيام الدولة العباسية حتى نهاية القرن الثالث الهجري، وقد أظهر فيها مدى طواعية فن الرسائل للتعبير عن المواقف الرسمية وغير الرسمية.

وقد أشارت الباحثة إلى أنه إضافة إلى دراسات عدة تناول أصحابها فنون النثر العباسي، غير أن هذه الدراسات -على الرغم من الجهد المبذول فيها- لم تتطرق بشكل مفصّل للرسائل الديوانية في العصر العباسي الثاني -حقبة الدراسة–، وبينت أنها أرادت أن تستكمل جهودهم في دراستها هذه. 

أسئلة الدراسة:

سعت هذه الدراسة في محاولة للإجابة عن الأسئلة الآتية:

1-     ما أشهر الأغراض التي كتبت فيها هذه الرسائل؟

2-     ما مدى تمثيل هذه الرسائل لمظاهر من الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في حقبة الدراسة؟

3-     ما مدى تمثيل هذه الرسائل لطبيعة العلاقة بين الدولة العباسية والدولة البيزنطية؟

4-     ما مدى تمثيل هذه الرسائل الديوانية لأسلوب العصر؟

5-     مَن أشهر كتّابها، وما مدى تمثيلها لثقافاتهم بمصادرها المختلفة؟

منهج الدراسة:

هدفت هذه الدراسة استجلاء صورة الرسائل الديوانية وأهميتها، وموضوعاتها، وخصائصها الفنية، وأبرز أعلامها ضمن المنهجين التاريخي والوصفي بحكم طبيعة الدراسة.

مكونات الدراسة:

تكونت الدراسة من تمهيد، وثلاثة فصول، وخاتمة.

التمهيد:

 أوجزت الباحثة القول في مفهوم الرسائل الديوانية وأهميتها، وديوان الإنشاء من حيث تراتيبه الإدارية، والكتابية؛ لتكون هناك صورة واضحة المعالم عن هذا الديوان آنذاك.

الفصل الأول: فقد وقفت فيه الباحثة على دستور كتابة الرسائل الديوانية من خلال الرسالة النموذجية "الرسالة العذراء" مع التعريف بصاحبها إبراهيم بن المدبر الكاتب.

الفصل الثاني: بينت الباحثة أنها صنفت الرسائل الديوانية وفق موضوعاتها فاختارت من الموضوعات ما حسبت أنّه يمثل تلك الحقبة الزمنية خير تمثيل، إذ صنفتها إلى الموضوعات الآتية مستشهدة لكل موضوع بنصوص من رسالتين أو أكثر:

أ- الشؤون الداخلية للدولة وتتنوع في الاهتمامات الآتية:

1)   المبايعات والعهود: ككتاب البيعة للمنتصر بالله، وكتاب البيعة للمعتز بالله، وكتاب المتوكل بولاية العهد لبنيه، وعهد الموفق إلى أحد الولاة في القضاء.

2)   المخالعات أو العزل: ككتاب المنتصر بالله بخلع أخويه المعتز والمؤيد من ولاية العهد، وكتاب المعتز بخلع نفسه، وكتاب محمد بن عبد الله بن طاهر بخلع المستعين.

3)   التحميدات والفتوح: ككتاب محمد بن عبد الله بن طاهر إلى أهل بغداد، وتحميد سعيد بن حميد، وتحميد إبراهيم بن العباس الصولي.

4)   المنشورات: كرسالة الجاحظ في مناقب الترك وعامّة جند الخلافة، وكتاب التعريف بمذهب القرامطة.

5)   التهديدات والوعيد: ككتاب إبراهيم ين العباس عن المتوكل إلى أهل حمص، وكتاب ابن عبدكان عن أحمد بن طولون إلى ابنه العباس.

6)   التوقيعات: ومنها توقيعات إبراهيم بن العباس الصولي، وتوقيع محمد بن عبد الله بن طاهر، وتوقيع عبيد الله بن سليمان، وتوقيع علي بن عيسى.

ب- الشؤون الخارجية للدولة:

وكادت تنحصر في كتاب الإخشيد إلى أرمانوس ملك الروم، وكتاب المنتصر بالله إلى محمد بن طاهر في إغزاء وصيف التركي إلى الروم.

الفصل الثالث، فقد عرضت فيه الباحثة لأبرز الخصائص الفنية التي اتسمت بها رسائل هذا العصر من حيث بناؤها، وأساليبها، وطرائق كتابتها، وما تحويه من محسنات بديعية بنوعيها اللفظية والمعنوية الدالة على براعة كتّابها، والدقة في اختيار الألفاظ ببعدها عن الوحشية والغرابة، وحسن استخدام الإيجاز والاطناب وفق ما تقتضيه أحوال المخاطبين والمقامات المناسبة للخطاب، مع استرفاد أصحابها من آي القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، والأمثال العربية والحكم.

الخاتمة: فقد أوجزت الباحثة فيها القول فيها ببيان أهم النتائج التي توصلتُ إليها في هذه الدراسة من استجلاء لدور الرسائل الديوانية في إدارة الشؤون الإدارية والسياسية للدولة العباسية في حقبة الدراسة. وقد تنوعت مصادر هذه الدراسة، وفي مقدمتها تاريخ الأمم والملوك للطبري، والكامل في التاريخ لابن الأثير، وصبح الأعشى في صناعة الإنشا للقلقشندي، وجمهرة رسائل العرب في العصور العربية الزاهرة لأحمد زكي صفوت، إلى غيرها العديد من المصادر.

فقد ذكرت الباحثة في الخاتمة أن هذه الدراسة قد سعت سعياً جادّاً في محاولةٍ؛ لرسم صورة واضحة المعالم لفن الرسائل الديوانية في العصر العباسي الثاني على امتداد قرن من الزمان يمتدُّ من (232-334ﻫ)ن وبينت أنه أظهرت هذه الدراسة مدى عناية الدولة العباسية بديوان الرسائل الذي صدرت عنه الرسائل الديوانية في هذه الحقبة، ابتداء باختيار كتّابه واستجلاء الوظائف الديوانية فيه على نحو لافت، وانتهاء بالمنهج الذي وضعه هؤلاء الكتّاب في كتابة الرسائل.

وذكرت أن هذه الدراسة عملت على استجلاء أهمية الكتابة ومنزلتها في هذه الحقبة، وكيف كانت طريقاً متبعاً للوصول إلى الوزارة والمناصب المرموقة في الدولة؛ لما حفل به ديوان الرسائل من مكانة بارزة ومرموقة في قصور الخلفاء والأمراء والولاة والقوّاد، حين أصبح بمثابة الوزارة مهمتها إدارة الشؤون الداخلية والخارجية للدولة ولسانها الناطق باسمها حين عمل في هذا الديوان كتّابٌ كانت لهم إسهاماتٌ عظيمة في فن الكتابة الديوانية في الأدب العربي عامة.

وبينت الباحثة أنه إضافة إلى الحديث عن دستور كتابة الرسائل الديوانية من الاهتمام بثقافة الكاتب وصفاته وأدواته الكتابية؛ مما تم استجلاؤه في الرسالة الأنموذج: "الرسالة العذراء" التي تصور الحاجة الملحة إلى ضرورة تعلم الكتابة حين كثرت دواوين الدولة وتنوعت، وأصبحت تحتاج إلى كتّاب مهرة يتقنون صنعتها.

وأوضحت أن تلك الصورة التي رسمتها الرسائل الديوانية العائدة إلى هذه الحقبة لملامح الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، وما عبّرت عنه مضامين تلك الرسائل في عصرها العباسي الثاني، فكادت تشمل معظم جوانب الحياة لشؤون إدارة الدولة إذ استطاعت أن تشكّل الصورة المثلى في عرضها للوقائع التاريخية الصادقة من خلال تلك الكتب التي تم تبادلها بين الدولة الممثلة بالخليفة أو مَن يقوم مقامه، وبين الرعية؛ ككتب المبايعات والعهود للخليفة أو ولي العهد في صورتها الإعلامية الموجهة من الدولة إلى الرعية. وكتب المخالعات أو العزل من الخلافة أو ولاية العهد التي تشكل النقيض لكتب المبايعات بكلّ ما تحمله في طياتها من معانٍ تعكس الحالة النفسية السيئة لأصحابها. 

وبينت أنه إضافة إلى تلك الكتب التي تحمل بين ثناياها مظاهر الفرح والسرور من بشائر وتحميدات خاصة بالانتصارات والفتوح التي حققتها الدولة، وكتب التهديدات والفتن الداخلية المتسمة باللغة الغاضبة. وتلك الرسائل التي حددت معالم علاقات الدولة العباسية بدولة الروم في حالتي السلم والحرب، إضافة إلى التوقيعات التي نمت نمواً واضحاً في هذا العهد معبرة عن موضوعات شتى.

وأوضحت أنه كما كانت الرسائل الديوانية صدى لكثير من الأحداث السياسية التي عاشتها الدولة العباسية في عصرها الثاني، فقد عبّرت عن تلك التحولات الجذرية التي شهدتها الدولة من هيمنة العناصر التركية على سياسة الدولة، وظهور حركات تمرد وفتن كثيرة عصفت بالدولة. من أهمها ظهور الدولة الطولونية في مصر والشام؛ لتنافس الخلافة العباسية في بغداد، وظهور دولتي الأخشيديين والفاطميين. إضافة إلى ظهور فتنة الزنج في البصرة، وحركة القرامطة وما احدثوه من ويلات وتخريب في المدن.

 وأشارت إلى أنه فضلاً عمّا حفلت به الرسائل الديوانية من تنوع في الأساليب الفنية لها، وتباين بحسب موضوع الرسالة والغرض منها، من ذلك احتفاء الكتّاب بمقدمات رسائلهم وخواتيمها بما في ذلك تذييل الرسالة باسم الكاتب وتاريخ التحرير لها والشهود الذين وقفوا على ما فيها من وقائع ومضامين، إذ اتخذت معظم رسائلهم بناء فنياً متميزاً.

 وذكرت أن ألفاظ هذه الرسائل قد غلب عليها الوضوح والجزالة والرصانة والدقة في اختيارها ببعدها عن الوحشية والغرابة، وقد تراوحت عباراتها بين الاطناب والإيجاز، فكانت التوقيعات والتحميدات خير شاهد على الإيجاز. بينما كانت المبايعات والعهود شاهداً على الاطناب، وكل هذا كفيل بالكشف عن مهارة الكتّاب وحرصهم على بناء النصوص بناء فنياً متميزاً.

 

 

تعليقات القراء
لاتوجد تعليقات على هذا المقال الى اﻷن

علق برجاء التدقيق اللغوي لما يكتب