قراءة في ديوان "على جدار الصمت" للشاعر جمال ربيع
كتب  محمد الشرقاوي ▪ بتاريخ 26/12/2022 11:43 ▪ تعليقات (0) ▪ طباعة  أرسل لصديق  أرسل لصديق 

العدد 131

 

 

 

 

إن الإبداع الحقيقي يعد من أسمى الأعمال الأدبية والفكرية التي تنطلق منها أشعة النور لتحلق في هذا الكون الفسيح، وتلامس النفس الإنسانية الباحثة دائما عمن يعبر عنها، ويصف مشاعرها خلال أطوار حياتها، وتقلبات الأيام التي تفرض نفسها بقوة، فتجعل الإنسان في حالة تساؤل مستمر، وحاجة إلى الإفصاح. وكما يقال؛ فإن الشعر ديوان العرب، وسيظل مدى الحياة؛ لأنه الفن الذي يسلب النفس بموسيقاه ومعانيه وصوره وخيالاته. وبدون التقاء النفس بهذا الخيال الرحب تصبح مثل الصحراء الجرداء، تعاني وتقاسي من رتابة الحياة وتجمدها، بل يصبح الإنسان نفسه آلة صماء لا يميزه عن الجماد سوى التحرك في نطاق مرسوم ومحدد لا يستطيع الخروج عنه.

ومن الشعراء المعاصرين الذين أثبتوا وجودهم بقوة على الساحة الثقافية والإبداعية، هذا المعلم والمربي الفاضل الشاعر جمال ربيع، فقد لفت أنظار الأدباء والنقاد ومتذوقي الشعر والأدب من خلال حضوره ومشاركاته المتواصلة بأكبر المؤسسات والصالونات الأدبية بالقاهرة وخارجها، وأثنى عليه كل من سمعه أو قرأ من أشعاره، وقد أضاف له عمله الأكاديمي الكثير، حيث يعمل معلما لمادة الرياضيات، تلك المادة التي تقوم على الدقة والمقدمات والنتائج والأدلة والبراهين؛ بالإضافة إلى موهبته الفطرية الأصيلة، وقد أصدر الشاعر جمال ربيع عدة دواوين لاقت نجاحا وتوفيقا واستحسانا.

وبين أيدينا هنا أحدث دواوينه بعنوان (على جدار الصمت)، وقد صدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، مما يدل على أنه اجتاز فحصا من كبار أساتذة النقد الأدبي ونال إعجابهم. أما العنوان فيعبر عن شعور عميق بالحاجة إلى الإفصاح عن أمواج متلاحقة من المشاعر التي تحاول الفرار من بين جدران الصمت، تلك المشاعر التي لم تعد في مهدها، فقد نمت وترعرت وضج بها القلب حتى باتت تؤرقه، وتطرق بقوة على جدرانه ليسمح لها بالانطلاق نحو البراح الرحب ليسمعها القاصي والداني.

وتجارب الديوان تعبر عن صدق بالغ، ومعايشة واقعية، وقوة وسلامة في الشعور، فالشاعر ابن عصره يتفاعل معه يؤثر ويتأثر بكل ما يرى ويسمع، وتلك خاصية تميز الشعراء عن غيرهم، فهم أهل الفصاحة والبيان وقوة الحدس الذي يضيء لهم الطريق.

وبعد قراءات عديدة لجميع قصائد الديوان التي تفصح عن موهبة الشاعر وبراعته الشديدة، فإنا نحاول هنا إلقاء الضوء على بعض قصائده. فقد احتوى الديوان على إحدى وعشرين تجربة شعرية تفاوتت في الطول والقصر، وتنوعت في الأبحر، وجاءت العناوين واضحة صريحة لمحتوى القصائد، كما تعددت الأغراض ليجد كل متذوقي الشعر ما يصبون إليه، وما يرغبون قراءته.

ففي قصيدة (قريباً سنلتقي، ص٥)، وهي من بحر الوافر، وهي قصيدة عاطفية غزلية وطنية؛ يعبر الشاعر من خلالها عن أمنية تراوده باقتراب لقاء محبوبته لتوقظ في مشاعره أحاسيس تترقب لرؤية الجمال على أرض الواقع، وكما قال د.شوقي ضيف في كتابه (الأدب العربي المعاصر في مصر، ط٧، دار المعارف): "الشعر الوطني هو شعر الوجدان الجماعي؛ لأنه يصور العواطف الوطنية، والأهواء السياسية، ويعيش الشاعر للجماعة لا لنفسه"(١). ونجد الشاعر يمضي واصفا ما لمحبوبته (وطنه) من أثر في الطبيعة والكون المحيط، فيصف ثغرها بباعث الأحلام في البيت الرابع، حيث يقول:

لها ثَغرٌ إذا همَّ ابتسامًا = رأيتَ الكرزَ بالأحلامِ مالَا

كما يصف البدر حين يغار من رقتها وجمالها في البيت الخامس قائلاً:

يروحُ البدرُ للأقمارِ يبكي = فلا يمشي يمينًا أو شمالًا

أما عيونها فتبعث الهمة والنشاط وتدب في الأجسام نشوة السعي والإقبال على الحياة وذلك من خلال وصفه إياها في البيت السادس:

لها عينانِ إن أرختْ جفونًا = تحركتِ الكراسي بالكُسالى

ثم يواصل شاعرنا جمال ربيع وصفه لمحبوبته من خلال عدة صور رائعة منها: (وأشرقت الشموسُ، البيت السابع)، (وزغردت الخُطى، نفس البيت السابق)، (وقدٌّ عبقريٌّ، البيت الثامن)، ثم يمضي للتعبير عن دوام وفائه لها والتزامه بعهد الحب والدفاع والتضحية من أجلها. وتلك الصور المكثفة التي تأتي تلقائية دون عناء إنما تعبر عن موهبة متدفقة، ونبع صاف غزير. وهنا نذكر ما قاله الجاحظ في كتابه (البيان والتبيين): "إن الشعر جنس من التصوير"(٢). ولنا هنا ملاحظة في الشطر الثاني من البيت الثامن وهي قول الشاعر: (لا يألُ بالًا)، وهنا تم حذف حرف العلة من الفعل (يألو) رغم عدم وجود سبب لهذا الحذف، لأن الجملة تحمل معنى النفي وليس النهي.

وننتقل إلى قصيدة أخرى تحت عنوان (رواء الروح: ص١٠)، وهي من مجزوء بحر الوافر، يعبر خلالها الشاعر عن مكانة المحبوب لديه، وما يمنحه الشاعر لذاك المحبوب من مشاعر تنطلق من الصدق والوفاء والعطاء المتواصل، حيث نرى ذلك واضحا من خلال مخاطبة الشاعر في البيت الثاني، والذي يقول فيه:

غسلتَ الحزنَ في روحي = توضأنا لنرقيها

وهي صورة جمالية رائعة بها استعارة مكنية حيث شبه الروح بالثوب الذي يتم غسله مما يلم به، وشبه الأحزان بما يلم بذاك الثوب من قاذورات، وحتى يعود الثوب ناصعا، وتعود الروح متفائلة، ثم يمضي الشاعر ليصف ما يحدثه المحبوب من تأثيرات عليه، فيشبهه بالوردن ثم البدر حين يزيل الظلام، ومن الصور البديعة حقا تلك التي وردت في البيت التاسع والذي يقول فيه:

عصرتَ الحُسنَ في كأسٍ = وجئتَ اليومَ تسقيها

والضمير في تسقيها يعود على الروح التي تتطلع وتشتاق للتوحد مع المحبوب والتفاني في عشقه.

وفي قصيدة (أرجوزة المتشوق: ص١٥)، وهي من بحر الكامل، يرسم لنا الشاعر صورة حية، ومشهدا دراميا عند فراق المحبوب، فيصف قلبه بالجوع نحو الأشواق، وتواصل عينه البكاء بلا توقف، ثم يعاتب المحبوب لعدم اكتراثه بما يسببه بفراقه من آلام وجراح متواصلةن ثم الوحدة والكآبة والانطواء، ثم يعود بنا ليصف فضائل المحبوب عند اللقاء، فيعبر عن حضوره بالنار التي يأنس بها الإنسان، ويستفيد بها في مهام حياته، ثم يشبهه بالنور والورد ووداعة العصافير، وفي الثلث الأخير من القصيدة يبدي الشاعر حنينه لتلك الأيام واللقاءات مرسلا لمحبوبه عدة أسئلة تنتظر الإجابة مستخدما كلمات الاستفهام التي تعبر عن الترقب والانتظار والشغف لعودة اللقاء، ثم يختم بدعوته للعودة وتوجيه السفينة نحو العاشق الوفي.

وعند ذكر الصور الواردة في القصيدة نعود إلى قول د.محمد غنيمي في كتابه (الأدب المقارن): "إن الصورة هي التي ينقل بها الكاتب أفكاره، ويصوغ بها خياله فيما يسوق من عبارات وجمل(٣). ومن الصور البديعة في القصيدة قول الشاعر في البيت الخامس: "النيلُ يرحلُ خلف رجلِك يختبي".

وهنا كناية عن شدة الألم والحزن، وأيضا قوله في البيت السادس: "البابُ يغلقُ نفسَه متباكيًا".

وهنا تعبير عن شدة ارتباط المكان بالمحبوب وعشقه العميق، كذلك قوله في البيت التاسع:

فحضورُكَ النارُ التي أطهو بها = كلَّ الحكايا (ما دعا للحبِّ داع)

وهنا إشارة صريحة إلى قوة تأثير المحبوب، وتذكير بأنشودة أهل المدينة عند استقبال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولنا ملاحظة وهي تخص تشكيل كلمة (كل) حيث وردت مضمومة، والأصح أن ترد بالفتح لأنها مفعول به.

وفي الشطر الثاني من البيت الخامس أرى أن هناك كلمة ربما سقطت عند الكتابة على الحاسب حيث يقول الشاعر: "ويجفُّ مائيَ والحقولُ مشاع"

وهنا نلاحظ عدم انضباط الوزن ويمكن علاج ذلك بوضع كلمة (هنا) بعد كلمة (الحقول) ليصبح الشطر هكذا: (ويجفُّ مائيَ والحقولُ هُنا مَشاع)، أو ما يراه الشاعر من إضافة لاستقامة الوزن.

وفي قصيدة (على جدار الصمت) من بحر الكامل، وهي القصيدة التي سُمِّيَ بها الديوان، وتعد أطول قصائده حيث يصل عدد أبياتها إلى ثمانية وعشرين بيتا، تتجلى فيها البلاغة والفصاحة وحسن البيان، وكل ذلك توفر في مجمل القصائد، إلا أن هذه القصيدة تعبر عن فيض وفير من أحاسيس الشاعر عندما تسيطر عليه رغبة الكتابة، وتلح القصيدة الكامنة بين الضلوع طالبة الإفراج عنها لتنطلق إلى الفضاء الرحب تعانق الأسماع، وتحلق كالطيور التي وجدت حريتهان فترسم الكون جمالا فائقا وبساتين غناء. وقد تحقق هنا قول ابن قتيبة عندما تحدث عن بواعث الإبداع في كتابه (الشعر والشعراء) حيث قال: وللشعر دواع منها الطمع، ومنها الشوق، ومنها الشراب، ومنها الطرب، ومنها الغضب(٤). ونرى براعة الشاعر في انتقاء مفرداته وصوره التي تأسر القلب، وتطرب لها الأذن ومن ذلك نقرأ في البيت الثاني:

جاء الكلامُ يمدُّ كفَّ ضراعةٍ = وأمامَ محبرتي بدا يترامى

وهنا استعارة مكنية يشبه خلالها الكلام بالإنسان عندما يأتي ويمد كف الضراعة والولاء، وسر جمالها التشخيص، كما نرى ذلك أيضاً في البيت الخامس حيث يقول الشاعر:

لملمتُ أضلاعي فبان تهلُّلي = حيث اخترعتُ لأحرفي أقداما

ويتضح من الصور مدى سيطرة الشاعر وامتلاكه لزمام القصيدة والإبحار بها كيفما يريد، ثم يعرج بنا نحو مملكة البيان التي يصورها كالبستان الرائع الزاخر بكل ألوان الثمار الناضجة، ومن ذلك نقرأ في البيت الحادي عشر:

فرأيتُ رمانًا يغطُّ بأفرعي = وزهورَ تفَّاحي بدت تتنامى

وإذا أردنا أن نعدد الصور الجمالية في القصيدة فنقول: إن كل بيت به صورة رائعة، وبعض الأبيات تحتوي على أكثر من صورة، وهنا فإن القصيدة غنية بالشاعرية الدفاقة، إذاً فهو شاعر مبدع يسير على درب الأصالة والخلود مثل عظماء القصيدة العربية قديما وحديثا.

ومن التجارب المغايرة لما سبق من حيث اختفاء النشوة والأمل، وتسلل مشاعر اليأس والحزن إلى نفس الشاعر، تلك القطعة الشعرية بعنوان (يستفيق: ص٢٩)، وقد عبر الشاعر خلالها عن افتقاده للحب والدفء العاطفي بعد فراق المحبوب أو الصديق الحميم، وما يتبع ذلك من آثار، وقد ورد ذلك في قوله:

اليوم ضاع غرامُنا = والابتسامةُ والصديقْ

اليوم يأفلُ نجمُنا = حتى الأماني لا تفيقْ

بات النهارُ مغيمًا = والفرحُ في بحري غريقْ

والحزنُ نخاسٌ عفنْ = باع القلوبَ مع الرقيقْ

وقبل أن نذكر مدى إجادة الشاعر في تعبيره عن آلامه نذكر قول ابن سلام، وهو أحد النقاد العرب القدامى، فقد قال في كتابه (طبقات فحول الشعراء): "الشعر صناعة وثقافة يعرفها أهل العلم"(٥).

وقد أجاد الشاعر في تصوير ذلك المشهد الإنساني حيث يأفل النجم، وتستكين الآمال، وتباع الأحاسيس الصادقة بأبخس الأثمان.

 ومن الصور الجميلة في تلك الأبيات قول الشاعر: الأماني لا تفيق، الفرح في بحري غريق، وكذلك التشبيه البليغ في قوله: الحزن نخاس عفن.

وفي قصيدة (بيت القصيد: ص٣٧) والتي جاءت على مجزوء بحر الكامل، حيث يعاود الشاعر التحليق في سماء الأمنيات بحثا عن السعادة التي لا يريدها لنفسه فقط، بل لمحبوبته كذلك، يقول في بدايتها:

يا ليتَ بيتَ قصيدتي = يا حلوتي كان السكنْ

أو شرفةً من فوقها = نصطادُ طائرَنا الأغَنْ

كنتُ انعزلتُ بحبِّنا = في اللا حدودِ بلا ثَمنْ

وتعبر الكلمات عن مدى صدق شاعرنا جمال ربيع، وتطلعه لحياة تسودها الآمال، وهو في سبيل ذلك يبذل ما في وسعه لحماية هذا الحلم، حيث يضيف قائلا:

رصَّعتُ كلَّ ملابسي = وردًا يناغيه الوسنْ

وضممتُ حلمَك معطفي = وصهرتُ كالشمعِ الشجنْ

ألقيتُ جسمي مِشعلًا = فوق البراحِ المؤتَمَنْ

وما أجمل الصورة حين يعبر عن الحلم، فيصوره كالوليد الصغير الذي يخشى عليه من أثر العوامل الجوية، فيضمه إلى معطفه ليحميه ويحرسه من أي خطر يقترب منه، لكننا نجد الشاعر يفاجئنا في نهاية القصيدة بتعسر حلمه وتحطمه بمرور الأيام وغفلة المحيطين، ويتضح ذلك من خلال أخر بيتين يقول خلالهما:

يا ليتَ بيتَ قصيدتي = بأناقتي كان السكنْ

لكنه ببساطةٍ  = قد هدَّمته يدُ الزمنْ

وفي قصيدة (ترانيم اللقاء: ص٤٦)، يأخذنا الشاعر بأسلوبه الجذاب لنشاهد صورة جمالية رائعة تصف لقاءه بمحبوبه، وما يحدثه هذا اللقاء من أثر بالغ السعادة في النفس من خلال هذه الأبيات:

على كفَّيكَ ترتَسِمُ الأماني = ويبتسمُ الهوى أنَّى تروحُ

وتضحكُ أغنياتي في عيوني = ويستندُ الفؤادُ ويستريحُ

وفي أعطافِكم ينسلُّ قلبي = فترتحلَ المواجعُ والجروحُ

ويتضح لنا مما سبق مدى فلسفة المبدع جمال ربيع، فهذه نفسه التي لا تأنس إلا في محيط الود والصفاء، فهو شاعر محب يستدعي الأمل والجمال من أي موطن يجدهما فيه، كما يريد لكل العالم أن يشعر بمشاعره تلك، والتي لا تصفو الحياة بدونها. ففي اللقاء ترتسم الضحكة، وتتحقق راحة الفؤاد، وتنصرف الهموم والأوجاع حيث لا مكان لها ها هنا، ويظل الحلم ملاصقا للشاعر، ويصف ذلك من خلال بقية أبيات القصيدة ونقرأ منها:

تنامُ الأمسياتُ على لغانا = ومن أحلامِنا عطرٌ يفوحُ

تراقصُنا السماءُ وترتجينا = نشابكُها البراحَ وما يلوحُ

أزاهيرٌ وأنسامٌ وريٌّ = على شرفاتِنا ديكٌ يصيحٌ

وتلك الصور الخيالية البديعة الواضحة، وغير المعقدة أضافت سحرا وجمالا كما لو كانت صورا حية تتجسد أمام الأنظار.

وقد حفل الديوان بثلاث قصائد من الاتجاه الديني الصوفي الذي يعبر عن نقاء نفس الشاعر، ومدى ارتباطه بعقيدته. وقد جاءت القصائد الثلاث في ترتيب منطقي يسير نحو قوة الإيمان، فكان أولها قصيدة (على باب الله: ص٥٠)، والثانية عنوانها (عرفت الله: ص٥٣)، والثالثة بعنوان (رأيت الله: ص٥٥)، ونتناول هنا إحدى هذه القصائد ببعض التوضيح.

قصيدة (عرفت الله) حيث يفتح الشاعر قلبه ليبوح لنا عن حب ثابت أصيل نابع عن ثقة في الله تعالى، فمن حب الله يأتي كل خير وأمل وسكينة واطمئنان، ويستهل الشاعر قصيدته قائلا:

عرفتُ اللهَ في الدنيا بديعا = فإذ بالحسنِ يعدو باتجاهي

عرفتُ اللهَ في الدنيا يقينا = فرَقَّ القلبُ وابتسمتْ شفاهي

وحين طرقتُ في الإصباحِ روحي = سمعتُ النفسَ تشدو يا إلهي

ومن خلال ما أوردنا نرى مدى التصاق الشاعر بمبادئة الإسلامية، وأثر ذلك فيه، وقد صور وأبدع من الكلمات مثل: الحسن يعدو باتجاهي، سمعت النفس. ثم يمضي الشاعر ليعاتب نفسه على أوزاره وتقصيره في فترات من حياته بين اللهو والغفلة حيث يقول:

صنعتُ الوزرَ أحصِنةً عليها = أراقصُ شهوتي وأنا أُباهي

ثم يعود نادماً على ما كان، ويقترب من ربه سائلا إياه العون، وبلوغ القصد معترفا بأنه ليس له ملجأ ولا ملاذ إلا الله سبحانه وتعالى. ويختم بأبيات توسلية رائعة منها:

سألتُك يا إلهَ الكونِ كُن لي = وكُن ريا إذا قلَّت مياهي

وأوصلني بفضلِك مبتغاي = وأيقظني إذا ما كنتُ ساهي

أنا ما زلتُ في الأعتابِ أحبو = فأنتَ مُنايَ في الدنيا وجاهي

وختاماً؛ نستطيع أن نقول بكل موضوعية: إن الشاعر المبدع جمال ربيع يسير بخطى واثقة في عالم الإبداع، ويعلن عن نفسه بقوة بما حاز من موهبة وهبها الله له، فحافظ عليها ونماها، واستطاع أن يجعل لنفسه أسلوبا تعبيريا أدبيا يميزه عن غيره. تحية عطرة صادقة لشاعرنا على صدقه الداخلي أولاً، ثم على إنجاز هذا الإصدار الرائع الذي يعد إضافة إلى الساحة الثقافية، وامتداداً للأدب العربي الأصيل في عصر نحتاج فيه بقوة للحفاظ على لغتنا وهويتنا، وتراثنا الأدبي الشامخ، ونرجو له مزيداً من التقدم والنجاح في الأعمال القادمة؛ والحمد لله رب العالمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

١ - كتاب الأدب العربي المعاصر في مصر، (د.شوقي ضيف).

٢ - كتاب البيان والتبيين، (الجاحظ).

٣ - كتاب الأدب المقارن، (د.محمد غنيمي).

٤ - كتاب الشعر والشعراء، (ابن قتيبة).

٥ - كتاب طبقات فحول الشعراء، (محمد بن سلام الجمحي).

 

تعليقات القراء
لاتوجد تعليقات على هذا المقال الى اﻷن

علق برجاء التدقيق اللغوي لما يكتب