نظرات في قصص ومســرحيات الأديب محمد الحسناوي (2/1)
كتب  هيفاء علوان ▪ بتاريخ 26/12/2022 11:40 ▪ تعليقات (0) ▪ طباعة  أرسل لصديق  أرسل لصديق 

العدد 131

الأديب محمد الحسناوي

 

تقديم:

بدأ الأديب الروائي الناقد الشاعر المسرحي  كتابة القصة متأخراً، ولكنه كتب في ريعان شبابه الشعر وأبدع فيه، وبقي نفسه الشعري سيالاً ومتفجراً  طوال حياته.

 كتب –رحمه الله– أدب الطفل، ومسرحيات عديدة للأطفال متأخراً، وكان للأديب يحيى حاج يحيى رأي في هذا التأخير.

ففي مقال للأديب يحيى حج يحيى  نشر في 16/6/2007م، قال:

"ففي أواخر الستينيات من القرن الفائت قام بكتابة مقدمات مناسبة لأناشيد محمود أبو الوفا الدينية،. ثم شغلته أمور حتى عام 1996م، فعاد ليتحف مكتبة الأطفال بعدد وافر من الأناشيد، وأقل من ذلك القصص والمسرحيات.

فما الذي جعله يكتب في هذا اللون..؟

يغلب على الظن أن الدافع لذلك عدة أمور:

أولها: دخوله في مرحلة الشيخوخة، ووجود أحفاد من حوله.

ثانيها: زواجه الثاني، إذ رزق بأربعة أطفال نجد أسماءهم تتردد في أناشيده وحكاياته.

ثالثها: تأثير صديق له كان يشرف في تلك الفترة على مجلتين للأطفال، والحاجة إلى أناشيد.

رابعها: شعوره بنوع من الاستقرار، وتفرغه للكتابة بعد أن استهلك العمل السياسي والإعلامي أكثر وقته منذ 1979م.

كل هذه العوامل مجتمعة، بالإضافة إلى تمكنه من الكتابة الشعرية والقصصية للكبار أولاً، كانت وراء توجهه إلى هذا اللون من الأدب، فهو حين كتب هذا النوع من الأدب كتبه، وهو يملك الأدوات اللازمة وكان مَثَلُه كما يقول د. علي الحديدي، كمثل طبيب الأطفال الذي يمر أولاً بمرحلة الطب العام، ثم يطبق معلوماته على المرضى من الأطفال".

   ولا بد أن نذكر السمات العامة للظاهرة القصصية عنده، لقد كانت قصصه تتسم بوضوح الرؤية وشمولها، وكانت ممزوجة برهافة ورصانة معا، كان تناوله في قصصـــــه يراوح بين الإنســـــــاني الخاص والوطني العام، ونراه يراوح بين التخييل المجنح والواقعية الدافئة، مـــادة مسبوكة بلغة تبهرنا فيها البلاغة الرائعة الثرية، مما يسبغ على لغته الجلال، وتصبح جملته سوية قوية، ذات نسيج شفاف ومتين  وسحر يلازم ضمائرنا ووشائج تشدنا إلى هذا النوع من الأدب الرفيع. نجد في هذا الكتاب القصص الآتية: اللعبة الخطرة، دراجة لأبي حذيفة، سباحة، نكتة، حدث في الطائرة، الخيط المقطوع.

وفيه المسرحيات الآتية: ضجة في مدينة الرقة، المكيدة، ألا من يشتري سهراً بنوم!؟ الحنيفية، بطل في جبل الزاوية.

Screenshot 2023 02 02 15 02 55 209 com.google.android.apps.docs

***

إطلالة على القصص القصيرة للحسناوي:

قصة: دراجة أبي حذيفة

تمر على الإنسان مواقف تسهم في تغيير القناعات، كانت الأم والأب قد صرفا النظر عن شراء دراجة لأبي حذيفة، فعندهم أولويات أخرى، منها تسديد فواتير، وهم ينوون كذلك زيارة بيت الله الحرام، فكم يتلهفون لتلك الديار المقدسة الحبيبة ولكن!.. هل يضحون بصغيرهم الذي أصيب بالحمى؟

لقد قال لأمه؛ وهو يعاني  المرض:

- سأذهب إلى الجنة.

- سألته: وماذا يوجد في الجنة؟

- توجد دراجات.

عند ذلك همَت دموعها وهرعت مسرعة لزوجها تقنعه بعقد الصفقة وشراء الدراجة، ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، فلديهم نفقات لابد من سدادها من أجل نقل الهاتف من البيت القديم إلى البيت الجديد.

ما العمل!؟ سأل أبو محمود  زوجته.

قالت: نستغني عن شراء الدراجة

- لا يكفي

- ونؤجل الحج إلى عام قادم.

في هذه القصة نلمح تضحية الآباء ومراعاة الطفولة، وأكثر ما يشدنا أسلوب القصة الناجح، وبخاصة المونولوج الذي استغرق صفحتين أو أكثر، وأقنعنا بالخطوة التي ارتآها الأبوان.

ممكن أن نقول في مغزى القصة: إن الأحلام سهلة، ولكن يصعب تحقيقها، ونلمس من خلالها حميمية الأهل، وكذلك براءة الأطفال. فكما ورد في المثل (المرأة والطفل الصغير يظنان أن الرجل على كل شيء قدير).

وأرى أن هذه القصة تخدم فكرة أن الدنيا دار بلاء، ولابد من المحن التي تميز الإنسان المؤمن من الخبيث.

***

Screenshot 2023 02 02 15 02 48 379 com.google.android.apps.docs

قصة: سبــاحــــــــــة 

هذه القصة تحكي حكاية عدد من الشبان: أحمد ومصطفى وعبد الرزاق وخالد وأخوه عبد الله  يتقنون السباحة النهرية، وهي أصعب من السباحة البحرية. فاقترح مصطفى الذهاب إلى تلك الباخرة البيضاء التي تبعد أكثر من 3 كم. وافق الجميع، وبدؤوا بالسباحة، ولكن بعد مسافة قصيرة بدؤوا بالانسحاب الواحد بعد الآخر، وكلما انسحب أحدهم انتاب أحمد شعورٌ بالحزن لانسحابه، وشعور آخر بالفرح لقدرته هو على الاستمرار.

هل استمراره عنادٌ اتصف به، أم الغرور أم حب المغامرة..؟

ولكنه  خاف، وتخيل أنه ينتحر، وتخيل نيراناً مشتعلة تسجر في البحر، هو عرف الهدى منذ فترة وجيزة قرر أن يكمل مشواره، وصل جوار الباخرة البيضاء، وصادف سفينة تقل مؤناً، أمسك بصعوبة بأحد إطاراتها بعد أن أفلتت يداه أكثر من مرة. 

لكل قصة بداية وعقدة ونهاية. العقدة لم تدم طويلاً ولم تكن موغلة في الألم والتعقيد. كانت القصة تحلق في عالم الخيال.. انظر إلى بعض هذه الصور:

ارتعد جسمه بموجة ألم شديدة، صافحه نوع من الاطمئنان، موجات من الألم كانت تومض في فخذه، وجود العمال رد حظاً من الأمـــل الهارب، إن السرور أورق في نفس أحمد، لقد رأى مركباً سياحياً وبخفة انتقل إليه.

النهاية غامضة، وذلك لتحفز عقول القراء وهذا أجدى وأجمل!.

***

Screenshot 2023 02 02 15 02 59 539 com.google.android.apps.docs

قصة: الخيط المقطوع

يحكي قصة رجلين أحدهما يخرج من مدينة حلب، والآخر من أنقرة، فيلتقيان في محطة القطار على غير ميعاد.

كان يصف مايشعر به (تحس بإحساسات لا تحسها الحواس).

(السفر خارج النفس أو خارج البلد).

وهو لم ينسَ أن يصف عبد الرؤوف حكمت الذي خرج من بيته في أنقرة ليشتري لزوجه جبناً طازجاً، هو (رجل جاوز الستين.. ربع القامة، شعره بني اللون.. انحسر عن معظم مساحته، عيناه عسليتان..).

من الصور الرائعة:

(خيوط الشبكة غير المدركة اهتزت، بعضها انقطع كطائر ذبح تواً)،  (الخيط الذي قُطع عند الحدود بدأ يلتئم)، أزهرت الأعمال هاجساً يمد رأسه من أعماق حامد).

ويهمنا هنا أن نتعرف على الخاتمة، فقد رأيتها خاتمة مفتوحة، وهذا مــــا يزيدنا تشويقاً وإثارة.

***

القصة المسرحية: اللعبـــة الخطرة

هذه قصة أعاد صياغتها مسرحية، وكانت قصة في مجموعته "الحلبة والمرآة" لكنه حولها هنا إلى مسرحية، وهذا يعني أنهما تتفقان في أغلب العناصر الفنية. فهي تتألف من فصل واحد، وهو بدوره يتألف من أربعة مشاهد.

في هذه المسرحية قيم اسلامية تؤكد أن من يخاف الله يحميه ويرزقه من حيث لا يحتسب، وهذه سمة من سمات الإنسان المؤمن.

في المسرحية كثير من التفصيل؛ فالشخصية الرئيسية أبو محمود من رعاع الناس، وهو يحمل همهم، رجل طيب، بل قل: ساذج.  لاحظنا وجود شخصيات فرعية، وقد يؤدي كثرتها إلى تشتت القارئ.

الزمان  والمكان  والعقدة  والحل..، والحوار جملة  يخلو من الصور البيانية.   

من أهم الشخصيات في المسرحية: أبو راس، قال المؤلف: "إذا خيم الليل أشرقت شمس أبي راس"، فماذا يقصد محمد الحسناوي؟ وماذا يريد أن يقول لنا عن هذه الشخصية؟

قال: "هذا لقبه، ولا بد للقب من سبب!.. فهل هو الإنسان الوحيـــد الذي له رأس؟ أو رأسه أكبر من رؤوس الآخرين؟ فما سبب هذه التسمية؟!

ينتهي إلى القول: إنه زعيم، وله جنود كثـر يبحثون دائمــاً عن صيـــد، فلا يفوتون دجاجة، ولا فرساً، ولا فتاة كاعباً، ولا  فدية ثمينة،.. ولا.. ولا..  إلا اصطادوها ونهبوها!.. هو شخصية  معاصرة،  وهو المعارض، بل قل: رأس المعارضة.

لأبي راس  دور كبير في تجميع المعارضة، ورصها صفاً واحداً.

من شخصيات القصة الرئيسية:  أبــو العيــــال, وهو من يستطيع كف أذى أبي راس، وهو أبو المعارضة المشتتة، والبطون الخاوية.

أما الشخصية المؤثرة الثالثة فهو  الساحر أبو خالــد. إن كل جديد لافت للنظر، وفي مدينتنا مواسم يحضرها الناس من مختلف المناطق ليشاهدوا (بازار الفرجة)، حيث تقام أسواق للأطعمة والألبسة وآلات الطرب والدواب والمصارعة والتفرج على الضبع والدب والذيب.

 وكما تعتبر المناسبات والمآتم مناسبات للاستغلال السياسي، فإن الأفراح والمحافل والأسواق مناسبة خصبة لهذا النشاط غير المستور، وفي هذا البازار يحلِّق الساحر، وهو يعرض خداعه البصري للصغار والكبار، فيسحر الألباب، فهو يلعب لعبة لايدرك مدى خطورتها، ويبدو من خلال هذا العرض للقصة أن الساحر ينسق مع أبي العيال وأبي راس. (يتبع)

***

 

Screenshot 2023 02 02 15 03 08 416 com.google.android.apps.docs

 

تعليقات القراء
لاتوجد تعليقات على هذا المقال الى اﻷن

علق برجاء التدقيق اللغوي لما يكتب