عبد القدوس أبو صالح صاحب قضية
كتب   ▪ بتاريخ 07/08/2022 05:27 ▪ تعليقات (0) ▪ طباعة  أرسل لصديق  أرسل لصديق 

 

صالح حسب الله - مصر

 

 

 

الدكتور عبد القدوس أبو صالح رئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية, عالما جليلا من علماء الأمة العربية والاسلامية وشاعر موهوبا.

كان الدكتور عبد القدوس أبو صالح من رجال المواقف وصاحب قضية عرفتهُ قاعات الجامعات، وحفظ له طلابه ما رأوه فيه من تميز، كما شهدت له مؤلفاته وتحقيقاته العلمية الدقيقة.

لقد أطال الدكتور عبد القدوس وأجاد في كلامه على مسوغات الدعوة إلى أدب إسلاميّ، فذكر منها أهمية الأدب وقوة تأثيره؛ فالأدب اليوم لم يعد أُلهية فنيّة، ولا ترفًا فكريًّا، بل أصبح سلاح أعداء الإسلام في إفساد الأجيال، وإشاعة الانحلال، فما أجدرنا أن نعيده -كما كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم- سلاحًا للدّفاع عن الإسلام.

ومن مسوغات الدعوة إلى الأدب الإسلاميّ تصحيح العلاقة بين الأدب والعقيدة، وإيجاد الانسجام بين عقيدة المسلم وحسّه الأدبيّ وتكامل شخصيته. وهذا الأدب عندئذٍ لا بدّ منه لصياغة الوجدان الإسلاميّ.

وإذا كان الأدب العربي اليوم –كما يقول الدكتور عبد القدوس- يكاد يكون صدى للمذاهب الأدبيّة العالميّة؛ فإنه لن ينقلب هذا الصّدى إلى صوت أصيل متفرّد إلا إذا كان مذهبًا مستقلاً عن تلك المذاهب وعن مضمونها العقديّ، ولن نجد هذا إلا في الأدب الإسلاميّ الذي يراد له أن يكون مذهبًا أدبيًّا للشّعوب الإسلاميّة كلّها.

وقال الدكتور عبد القدوس عن صفة الأدب الإسلامي الكبرى وهي الالتزام، وبالتالي فليس صحيحًا ما ادّعاه بعضهم -في موطن رفض الحاجة إلى أدب إسلاميّ- أنّ كلّ ما ينتجه الأديب المسلم في أي مكان، وبأية لغة؛ يمكن أن يكون أدبًا إسلاميًّا بغض النظر عن مضمونه، بل الأدب الإسلاميّ يعني الأدب الملتزم بالتصوّر الإسلاميّ، شأنه في ذلك شأن الآداب الأخرى التي تنتسب إلى فلسفات معينة، أو إيديولوجيات معروفة، وتصدر عن تصوراتها وأهدافها؛ فهو بالتالي الأدب الملتزم بالإسلام لا أدب المنتسبين إلى الإسلام بالاسم فقط .

وبرأي أبو صالح فإن شيخه وغيره ممن يقاربونه في نشأته وعمره كانوا يخافون أن تكون دعوة الأدب الإسلامي دعوة شعوبية تنمو على حساب الأدب العربي، وتعمل على تجزئة الأدب إلى أدب عربي وإسلامي.. ولم يكونوا يقبلون من دعاة الأدب الإسلامي قولهم: إن الأدب العربي أدب منسوب إلى اللغة العربية، كما ينسب الأدب الإنجليزي إلى اللغة الإنجليزية، والأدب الياباني إلى اللغة اليابانية، وهذه النسبة اللغوية للأدب لا تعني ما في مضمونه من مذاهب أدبية متصارعة.

وقال: إن هذه المذاهب انتقلت من الآداب الغربية والشرقية إلى أدبنا العربي فجزأته، وجعلته أدبا مقلدا ومزورا، وقسمت أدباءه إلى أتباع للواقعية الاشتراكية، أو للوجودية، أو للشكلانية، أو مذهب الفن للفن، وأخيرا للحداثة التي وصفها الدكتور محمد مصطفى هدارة بأنها أشد خطورة من الليبرالية والعلمانية والماركسية.

وعن اعتراض بعض النقاد على تصنيف الأدب إلى أدب إسلامي وأدب غير إسلامي، قال أبو صالح: إن الأدباء المسلمين ينتمون إلى شعوب متعددة، ويكتبون بلغات شتى، ويصدرون في أدبهم عن نظرتهم إلى الوجود، وعن ظروفهم الشخصية وتجاربهم في الحياة، وشأنهم في ذلك كله هو شأن غيرهم من أدباء الأمم الأخرى.

وبرأيه أنه من البدهي أن يكون نتاج الأديب المسلم موافقا للإسلام أو لا يكون مخالفا لثوابته، موضحا أنه عندما يصنف الأدب مهما كان قائله أو لغته أو عصره إلى أدب إسلامي وأدب غير إسلامي، فهذا التصنيف يعتمد على مضمون النص الأدبي بغض النظر عن شخصية صاحبه ودينه وتوجهه الفكري.

وقسم أبو صالح النتاج الأدبي أيا كان نوعه أو عصره أو قائله إلى دوائر ثلاث: أولاها دائرة الأدب الملتزم بالتصور الإسلامي، وهي دائرة لا تقتصر على أدب الدعوة، بل تتسع لتشمل أي موضوع يدور حول الكون والحياة والإنسان. والدائرة الثانية دائرة الأدب المباح، وهو أدب لا يخالف التصور الإسلامي وإن لم يلتزم به، وهي دائرة تتسع للأدب الجمالي المحض أو لأدب التسلية والترويح عن النفس. أما الدائرة الثالثة فهي دائرة الأدب الذي يخالف التصور الإسلامي ويضاده، وهذا الأدب هو الذي يرفضه الأدب الإسلامي، ويعد التصدي له من أول واجباته ومهماته، لأنه أدب العقائد والمذاهب «الأيديولوجيات» المنحرفة عن الإسلام، أو أدب العبث الهدام، أو أدب الجنس والانحلال، أو أدب الحداثة الفكرية المدمرة، لا أدب الحداثة بمعنى التجديد في المضمون والشكل.

ويعتقد الدكتور عبد القدوس أبو صالح أن حقيقة الحداثة التي يدعو إليها أدونيس تجلت في كتابه «مقدمة الشعر العربي» حيث يقول: «إنها -أي الحداثة-تجاوز الواقع أو اللاعقلانية، أي الثورة على قوانين المعرفة العقلية، وعلى المنطق، وعلى الشريعة من حيث هي أحكام تقليدية.. وهذه الثورة تعني التوكيد على الباطن، وتعني الخلاص من المقدس وإباحة كل شيء».

ويرى أبو صالح أن معظم ما يدور في الساحة الأدبية في العالم العربي يكاد يكون صدى للمذاهب الأدبية العالمية، ولن ينقلب هذا الصدى إلى صوت أصيل متفرد إلا إذا كان مذهبا مستقلاً عن تلك المذاهب وعن مضمونها العقدي (الآيديولوجي) الذي تقوم عليه، ولن تجد هذا إلا في الأدب الإسلامي الذي يراد له أن يكون مذهبا أدبيا للشعوب الإسلامية كلها، وإن ظلت لغته الأولى هي اللغة العربية لأنها لغة القرآن، ولغة العبادة، واللغة الأولى للحضارة الإسلامية.

وكان أبو صالح قد عالج في بحثه «قضية الأدب الإسلامي»، في ثلاثة محاور: أولها إثبات أن الأدب الإسلامي موجود في عصورنا الأدبية المختلفة، ومنذ انبلاج فجر الإسلام إلى يومنا هذا، مستعرضا خصائص الأدب الإسلامي في كل عصر من عصورنا الأدبية، مستشهدا بعدد من النماذج الشعرية والنثرية، مؤكدا أن التوجه الإسلامي كان هو الأصل في سائر أغراض الشعر والنثر. وتناول في المحور الثاني مفهوم الأدب الإسلامي، مستظهرا هذا المفهوم من تعريف رابطة الأدب الإسلامي لهذا الأدب بأنه «التعبير الفني الهادف عن الإنسان والحياة والكون وفق التصور الإسلامي».

وكان من السمات التي ذكرها للأدب الإسلامي أنه «أدب رباني يقوم على تصور عقدي ثابت هو التصور الإسلامي السليم، وهو بالتالي أدب ملتزم بثوابت الإسلام، وهو أدب شمولي واسع الآفاق، وهو أدب متوازن، يستمد توازنه ووسطيته من وسطية الإسلام، وأدب إنساني بمقدار ما في الإسلام من إنسانية، وهو أدب متصل عبر القرون، وهو بعد ذلك أدب ملتزم يهدف إلى صياغة الوجدان الإسلامي وبناء الشخصية الإسلامية، ويعبر عن آمال الأمة الإسلامية وآلامها، ويعمل على رفع الأمة إلى معركة المصير التي تخوضها الآن ضد التخلف والفرقة، وسوف تخوضها في المستقبل ضد العدو الإسرائيلي المتربص بها».

أما المحور الثالث في قضية الأدب الإسلامي تناول فيه مسوغات الدعوة إلى هذا الأدب، وذكر أن أهم هذه المسوغات يتجلى في أهمية الأدب وتأثيره ثم في تصحيح العلاقة بين الأدب والعقيدة، وفي السعي لتغيير واقع الأدب العربي، وواقع الأدب في العالم الإسلامي، وفي التصدي لتيار التغريب، وللحداثة المنحرفة وليس للحداثة بمعنى التحديث والتجديد الذي لا يخالف ثوابت الإسلام ولا يقطع صلته بالتراث.

 

 

تعليقات القراء
لاتوجد تعليقات على هذا المقال الى اﻷن

علق برجاء التدقيق اللغوي لما يكتب