العدد 89
يهالُني بشدة ما يمارسونه في الطرقات من محاولات العرض لبضائع قد لا ينتفعُ بها المارة قيدَ أُنمُلَة، إلا أنني لا أكادُ أخفي حاجتي الماسَّة إليها حين أتابعها بشغفٍ، وأنتظرُ أن يتجاوبوا معي بالقولِ حين أتفحصها بعيني.
تتكوَّمُ في ركنٍ لا تكادُ تُرى من بين الكلاب بقصرِ قامتها وجلبابها البالي. أرى كل كلبٍ وقد غطته بكارتونة قديمة، حتى هذا المصاب الذي سكبت على جسده البن لتوقف عنه النزيف. أقتربُ منها وأناولها في يدها فإذا بها تدفعُ عني يدي مرددةً: أنا أعمل شاي للعمال هنا.
فقلتُ لها: ربنا يوسَّع عليكِ.
وأصررتُ أن أعطيها وأنا أحبسُ داخل عيني دمعاتي التي ما كانت لتنهمر أمامها، إلا أنها انشغلَتْ بمن يجاورونها. شبابٌ أوقفتهم الحاجة إلى أن يقتاتوا بالحلال، بنظراتٍ متفحِّصَةٍ أجوبُ بين بضاعتهم.
- بكم؟
- بـ 20...
- جميلة. ممكن أكبر منها؟
- تفضلي.
- شكرًا.
وانصرفتُ وتداعبني كلماتُ جدي -رحمه الله- ترن في أذنيَّ عن الحسنة المخفيَّة.