في حوار مع الشاعر محمد التهامي:
كتب   ▪ بتاريخ 16/08/2015 16:01 ▪ تعليقات (0) ▪ طباعة  أرسل لصديق  أرسل لصديق 

العدد 50

حوار: إيمان محفوظ- مصر 

 

 

   عنترة بن شداد أول من أرسي بداخلي الإنسانية.


الحداثة شكلت وبالاً كبيرًا على الشعر العربي التقليدي.


أؤمن بالشعر العربي الفصيح لأنه يوحد بين العرب.

 

الشاعر الكبير محمد التهامي (رحمه الله)

اشتهر بأنه صاحب شعار "أنا مسلم".. ودرس القانون بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية حتى تخرج فيها عام 1947، واشتغل بالمحاماة والصحافة والإعلام، فيما كانت هوايته الشعر، وعمل مديرًا لتحرير جريدة "الجمهورية" القومية، ثم مديرًا للإعلام بالأمانة العامة للجامعة العربية، فرئيسًا لمكتب الجامعة بإسبانيا، ثم مستشارًا بالجامعة العربية.. صدرت له ستة دواوين، هي: "أشواق عربية"، "دماء العروبة علي جدران الكويت"، "أغنيات لعشاق الوطن"، "يا إلهي"، "أنا مسلم"، و"رحيق العمر".. وتحتفي المكتبة العربية بكتابين له، هما: "أنوار لا تغيب" عن الإمام النورسي، و"جامعة الشعوب العربية والإسلامية."  

 كما نال الشاعر والمستشار محمد التهامي الميدالية الذهبية لأحسن شعر في معركة بور سيعد عام 1956، وجائزة الشعر القومي من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب عام 1962، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب والشعر عام 1991، وكذا جائزة الملك الحسن الثاني ملك المغرب عام 1993.. فهو يحمل وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى، كما يحمل وساما بدرجة "فارس" من الحكومة الإسبانية..


 التقيناه وكان لنا معه هذا الحوار:


*  ماذا عن تكوناتك الإبداعية؟ وهل تأثرت بالنشأة؟
بنبرة حنونة، أجاب: منذ ولدت ويتصارع في أعماقي عنصران؛ أولهما "العنصر المادي" الذي يقوم علي الفكر، والثاني "موهبة الشعر".. وكنت أجد جميع المحيطين بي يشهدون بذكائي ونبوغي الدراسي، وكان والدي مغرما بسيرة الفارس العربي "عنترة بن شداد"؛ وبعد أن كبر الوالد وضعف بصره أصبح يطلب مني أن أقرأ عليه هذه الأجزاء، فترسبت في نفسي معاني العروبة والشعر، ونمت في أعماقي فكرة أن الإنسان له رسالة يضحي في سبيلها دون انتظار مردود، وبهذا استطاع والدي أن يصوغ نفسيتي دون أن يدري. 

 
* رغم أن تخرجك في كلية الحقوق إلا أنك لم تمارس المحاماة.. لماذا؟
بالفعل تخرجت في كلية الحقوق جامعة الإسكندرية، وحاولت ممارسة المحاماة ، إلا أنني حين جئت للقاهرة نصحني البعض بالعمل في الصحافة بدلا من المحاماة، وبالفعل عملت بصحيفة "الأساس" التابعة للحزب السعدي، وكان أنيس منصور يعمل فيها يترجم قصص بالصفحة الأدبية، وأنا كنت أتولى القسم القضائي بالجريدة، ثم التقيت الزعيم عبدالرحمن عزام الذي اقترح علي العمل بالأمانة العامة للجامعة العربية بالقاهرة، وهكذا ابتعدت عن سلك المحاماة تمامًا، ولا أخفي أنني ندمت كثيرًا علي ذلك، بل كنت أحن للمحاماة، إلا أن أشياء كثيرة جعلتني أتأكد أن قدر الله اختارني للشعر.

*  وماذا عن ذكرياتك أثناء عملك بمكتب الجامعة العربية بمدريد؟
أغرب ما يخالجني حين أتذكر تلك الفترة، أن بعض الأسبان يحبون العرب جدا، لكن العرب كانوا لا يفهمون الإسبان، وحتى أنا كشاعر لم أجد نفسي متحمسا أبدا لكتابة أي شعر في الآثار العربية بإسبانيا مثل أشبيلية أو قصر الحمراء..

وحين كنت أعمل بمكتب الجامعة كان السفير متحمسا للعروبة، وكان القنصل المصري هو المستشار أحمد هيكل الذي أصبح وزيرا للثقافة فيما بعد، وقد فكرنا في إعداد مؤتمر لحوار المسلمين والمسيحيين في "بلاط الشهداء" بإسبانيا الذي قيل: إن عدد الشهداء فيه في المعركة المسماة باسمه والتي هزم فيها المسلمون وصل إلى عشرة آلاف شهيد، وبالفعل تم اللقاء وحضره مندوب البابا من روما، والبدرفرانكون مسؤول بالكنيسة هناك، وقال حديثًا طويلًا لتنقية شوائب العلاقة. 

* وماذا عن مشاركتك بهذا اللقاء؟ 
بالنسبة لي، قدمت دراسة لتنقية مناهج التدريس بالمدارس الأوروبية مما يسيء للإسلام، إذ لا تزال الشتائم على النبي صلى الله عليه وسلم يحفظها التلاميذ هناك ويمتحنون فيها، وحدثت وعود كثيرة بأن تتغير هذه التشوهات من المناهج ولم يحدث إلى الآن!! 

*  بوصفك كنت أحد مستشاري الجامعة العربية.. كيف ترى الوضع العربي الآن؟  
الأمر مؤسف بالطبع، وحينما قبلت أن أعمل بالجامعة العربية كان عبد الرحمن عزام يراهنني أننا في عشر سنوات سنعمل دولة عربية واحدة من المحيط للخليج، وكان هذا عام 1948م، لكنني أحب أن ألفت إلى أننا في الوضع الحالي نحارب العالم كله، والعالم كله يحاربنا مادمنا نحارب إسرائيل. 

*  في هذا الصدد، يثير عدد من المثقفين جدلًا حول الوحدة الوطنية، وانتماءات المصريين..؟  
مقاطعًا وبحدة: بل هناك من يقسم سكان مصر لأقباط ومسلمين، وهذا خطأ كبير، لأن الحقيقة أن من على أرض مصر هم "مصريون"، فمنذ.. جاء عمرو بن العاص رضي الله عنه لفتح مصر، كانت الديانة السائدة للمصريين الأرثوذكسية ويضطهدهم المسيحيون الكاثوليكيون الذين كان أغلبهم من الرومان، والذين طردوا الأرثوذكس حتى الصحراء، وعمرو بن العاص حينما دخل الإسكندرية هزم الرومان وجلب الأرثوذكس من الصحراء مجددا لأنه يعرف أنهم مواطنون، وحين تأسست قواعد الدولة الإسلامية أسلم الكثير من سكانها، ثم هاجر إلي مصر العديد من القبائل العربية وهؤلاء يتصاهرون ويتناسلون في مصر، إلى أن نتج عنهم المصريون الذين يعيشون حاليا، فلا تستطيع أن تعرف: هل جدك الكبير مسيحي أم مسلم إلا نادرا!؟..

أما عن إشكالية الجدل حول الوحدة العربية، فكل ما يثار حاليا يعد دعاوي أمريكية لتقسيم العرب ومطالبات أقباط المهجر.. وكلها دعاوي باطلة، ولا أساس لها من الصحة. 

*  نعود إلي الباحة الأدبية.. شهدت العقود الخمسة الماضية مولد "شعر المقاومة" إلا أنه خلال الآونة الأخيرة بدأ في التراجع.. في رأيك ما الأسباب حول ذلك؟ 
الحديث عن تراجع "شعر المقاومة" أو اندثاره ليس صحيحًا بالمطلق؛ فهو بالفعل كان له دور كبير في تشكيل الوجدان العربي وإحياء المقاومة وتأجيجها في صدور جميع العرب، إلا أنه واجه نوعًا من الإقلال منه خلال الآونة الأخيرة.

 أما عن الأسباب فلا شك أنها تعود إلى ما يعرف اصطلاحًا بالمدارس التجديدية في الشعر، والتي دخلت في عراك وخصومة مع مدرسة الأصالة الشعرية حيث عمل التجديديون علي تشويه الشعر في أعين المتلقين؛ الأمر الذي أدى إلى تراجع تأثيره وتراجع إنتاجه. أضف إلى هذا تطور إيقاع الحياة بشكل عام في العقدين الماضيين، مما جعل نوعًا من التراجع في الاهتمام بالشعر والثقافة، وأضعف من تأثيرهما، وكذا الهموم المعيشية التي باتت تتصدر أولويات المواطنين، فشيء طبيعي أن يتراجع الاهتمام بالشعر، وهو ما ينطبق أيضًا على "شعر المقاومة" فضلاً عن تراجع الاهتمام بالفنون الشعرية المختلفة، ولكن هذا لا يمنع من الإشارة إلى العديد من النماذج لشعر المقاومة، وهو ما يؤكد أن إنتاجه لم يتراجع بالكلية، ولكن تراجع الاهتمام به ونشره فقط.

*  وما رأيك في العراك الذي تشهده الحياة الأدبية بين الشعر العامي والفصيح؟
 أولا: أحب أن أؤكد أنني أقرأ الشعر العامي، وأتابعه، لكنني في الوقت ذاته أؤمن بالشعر العربي الفصيح لأنه يوحد بين العرب، ولكن هذا لا يعني أن يكون هناك عراك بين الشعر الفصيح والعامي. وأذكر أن أول برنامج في الإذاعة "على الناصية" كان للإذاعي إسماعيل عبدالمجيد في الإسكندرية والذي جمعني وشاعر آخر، وعمل جائزة لوصف فتاة عابرة، وقال ارتجلوا قصيدة، فكتبنا كلمات عامية منها:

 "الموج يشوف طيفها يغني.. وتغيب يئن ويتألم".

*  وكيف ترى تجربة الحداثة على الساحة الثقافية العربية الآن؟ 
الحداثة شكلت وبالاً كبيرًا على الشعر العربي التقليدي، شكلاً ومضمونًا؛ إذ عملت على إشاعة أجواء الخلط والغموض في الشعر العربي، وجر المتلقي إلى بذل مجهود ضخم لفهم الشعر وهو في الأغلب لا يستطيع ذلك لاستحالة فهمه. ولا أبالغ إذا أكدت أن مدارس الحداثة هي مرادف للفوضى الخلاقة التي حاولت واشنطن الترويج لها في المنطقة، وكان مصيرها الفشل في أغلب الأحيان. وأود هنا أن ألفت إلى ما خرجت به ندوة "مؤسسة البابطين" والتي أوضحت على لسان مؤسساها عبد العزيز آل سعود البابطين أن الشعر هو الموزون المقفى، وأنه لا مستقبل لمدارس الغموض والألغاز التي أضرت بالشعر العربي أكثر مما نفعته.

 * وما الحل في وجهة نظرك؟ 
الإصلاح يحتاج لوقت طويل؛ وآليات جديدة، منها: إعادة النظر في طرق تدريس الشعر في المدارس بمختلف أنواعها، ووقف الأساليب التقليدية التي تدور حول إلزام الطلاب بدراسة عدة نصوص شعرية وحفظها، وكذا إشاعة نوع من التذوق الشعري لدى الطلاب، والكشف المبكر عن المواهب عبر إعادة ضخ الدماء في عروق أنشطة جماعات الشعر في المدارس والجامعات فضلاً عن إعادة الاعتبار للغة العربية التي تراجع وزنها في الفترة الأخيرة لصالح اللغات الأخرى.

ــــــــــــــــ

http://www.baladnews.com/article.php?cat=10&article=8432

 

 

تعليقات القراء
لاتوجد تعليقات على هذا المقال الى اﻷن

علق برجاء التدقيق اللغوي لما يكتب