العدد 50
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد:
قرأت ديوان أنا مسلم للشاعر محمد التهامى رحمه الله، فهالنى ما لمست به من جلال المضمون وجمال الشكل، لكأنك فى هذا الديوان الماتع تعيش فى محراب عابد، أو فى خلوة متصوف، أو فى دار حكيم، و هذا كله لا ينسيك أنك فى خيمة شاعر عظيم استطاع أن يصهر المعانى الإسلامية السامية، والحكمة، والتصوف، والفلسفة.. فى بوتقة الشعر، فأضحى شعره جليلا عظيما فى مضامينه، غنيا غزيرا فى معانيه، وافرا وارفا فى ظلاله، زاهيا متعددا فى ألوانه وأغراضه، متقنا جميلا فى أشكاله ومبانيه، ولكى نقف على جماليات الشعر الإسلامى فى ديوان أنا مسلم فإن الحديث هنا ينساب فى نهرين كبيرين هما:
أولا : جلال المضمون.
ثانيا : جمال الشكل.
ونحاول هنا تفصيل ذلك على النحو الآتي:
أولا : جلال المضمون:
هذا الديوان عنوانه مرآته، وبه تسع عشرة قصيدة وهى: " أنا مسلم، مع الله، صلاة، يارب، فى نور الصيام، الهدى والضلال، صرخة، أزهار وأشواك، داعى الجهاد، القدس، صاحب الرسالة، صاحب الشريعة الغراء، تسابيح، المثل الأعلى، سرالحياة، فى رحاب الحسين، فى مقام الحسين، دعوة الخلاص، يارباه"
وتسرى مضاين قصائد هذا الديوان فى عدة جداول أهمها:
(1) تسبيح الرحمن وتكريم الإنسان:
إن الشاعر محمد التهامى ينـزه الله سبحانه الواحد الأحد، الفرد الصمد عن كل نقص ويصفه بكل كمال، فهو وحده الباقى بعد فناء الخلق، وهو سبحانه النافع والضار، حيث يقول:
ويبقى ربك الرحمن فردا |
|
له فى الكون عرش مستقر |
وجود لا يزعزعه فناء |
|
وليس لبعض ما يعطيه حصر |
....... |
|
|
وسبحان المهيمن فى علاه |
|
يدوم به الزمان ويستمر |
وفوق الكل قدرته تعالت |
|
فليس لغيره فى الكون ذكر([i]) |
إنه سبحانه كل رجائنا، ومالك أمرنا، منه الهداية، نرضى بقضائه، ونصبر على بلائه ، ونشكره على نعمائه، وتلك علامة الإيمان، يقول:
ولأنت يارباه مالك أمرنا |
|
وترى وتسمع ما إليه نصير |
........ |
|
|
ولأنت يارحمن كل رجائنا |
|
منك الهداية والرضا والنور |
تقضى فنرضى بالقضاء ونبتلى |
|
ولنا فؤاد فى البلاء صبور |
وعلامة الإيمان صبر يستوى |
|
لما تميل من الجبال صخور([ii]) |
والله سبحانه أهل الثناء والذكر الحسن، فبذكره تطيب النفوس، وتطمئن القلوب، وينعم الإنسان فى الدنيا والأخرة، يقول :
وحسب الناس فى الدنيا جميعا |
|
لذاتك يا إله الخلق ذكر |
فإن ذكروك فالدنيا نعيم |
|
تطيب به النفوس وتستقر([iii]) |
ويتجلى تكريم الله سبحانه للإنسان فى قصة خلق نبى الله آدم عليه السلام حيث خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وعلمه الأسماء كلها، وأمر الملائكة بالسجود له، فسجدوا إلا إبليس لعنه الله، تمرد وأغوى الكثير من الإنس، يقول التهامى فى قصيدة سر الحياة:
سبحانك اللهم عندك سرها |
|
ونصيبنا مما كشفت يسير |
ندرى بأنك قد جعلت لآدم |
|
نورا لموضعه الكريم يشير |
علمته الأسماء فى وجدانه |
|
السر..والأسماء.. والتفسير |
.... |
|
|
وجعلت للإنسان فيه كرامة |
|
فوق الوجود يحفها التقدير |
عنت الملائك سجدا من دونها |
|
لما أمرت فأذعن المأمور |
وتمرد العاصى فأغلق دونه |
|
باب الرضاء وخانه التعبير |
فمضى يعيث على الحياة ضلالة |
|
ووراءه رهط له مدحور |
يغريه من زيف الحياة بريقها |
|
فهو التعيس التائه المسحور([iv]) |
ويحدثنا الشاعر عن أمانة هذا الدين، وكيف أبت السماوات والأرض والجبال حملها، إشفاقا وخوفا، بينما حملها الإنسان بظلمه وجهله، فمن نهض بهذه الأمانه، وأدى أوامر الله واجتنب نواهيه، فقد فاز بسعادة الدنيا، والخلود والنعيم المقيم فى الآخرة، يقول:
لكنه الإنسان أقدم راضيا |
|
واختار حين تعرض التخيير |
والأرض والجبل الأشم تراجعا |
|
أما السماء فردها التقصير |
وتقدم الإنسان نحو مسيرة |
|
يغريه للبر الأمين- عبور |
فمن استطاع فللخلود مآله |
|
ومكانه فوق السماء أثير([v]) |
وهنا تبدو حقيقة العلاقة بين الخالق والمخلوق، بين العبد والمعبود، فالعبد يعرف مكانه، ومن ثم هو فى طاعة سيده إشفاقا وحبا، يقول:
الله يا الله فوق مداركى |
|
سر هناك على سناك مصون |
إنى أنا الإنسان أعرف من أنا |
|
وأرى مكانى منك أين يكون |
إنى ذكرتك خاشعا بمدامع |
|
ذابت لفرط حنينهن جفون ([vi]) |
ويذكرنا أن الدنيا ممر للآخرة، وهى دار الخلود يثاب فيها المحسن، ويعاقب فيها المسيء، يقول:
فكل حياتنا والعيش فيها |
|
لدرب حياتنا الأخرى ممر |
حياة تنتهى وحياة خلد |
|
وبينهما بوادى الموت جسر |
ففى الدنيا وفى الأخرى حياة |
|
يتم بها على الإحسان أجر([vii]) |
كما يرى الشاعر أن الإيمان راحة النفوس، وأن الطاعة هى طريق رضا الله سبحانه، وهو سبحانه المنقذ عند الشدائد، ونحن لا نحصى الثناء عليه مهما كتب، يقول:
وفى الإيمان راحة كل نفس |
|
لما تبدى الحياة وما تسر |
نطيع وأنت رحمن البرايا |
|
ومن أرضاك لم يمسسه ضر |
وطاعتك الطريق إلى رضاء |
|
عيون الطائعين به تقر |
ولو عصفت بنا سود الليالى |
|
فأنت المنقذ الحانى الأبر |
ولو طفنا بها شرقا وغربا |
|
ففى أحضان رحمتك المقر |
فلا نحصى الثناء، ولو كتبنا |
|
وكل الكون أقلام وحبر |
وصيرنا السماء لنا صحافا |
|
تسلسل فوقها سطر فسطر |
سيفنى الكل يامولاى حتما |
|
ولا يجزى على نعماك شكر([viii]) |
(2) تشخيص الواقع المرير وبيان سبل الخلاص:
ما أروع التهامى حيث يشخص واقع الأمة الإسلامية فى العصر الحديث، وكأنه يعيش معنا هذه الأيام، قائلا:
ما أيسر الأقوال أنا أمة |
|
نامت، وأقوال العداة كثير |
لكن أراد الله أن نرمى بمن |
|
قتلوا الشموس فغاب عنه النور |
يسعى إلينا الفجر، لا نحظى به |
|
فالفجر فى البلد الشقى ضرير |
من بعض أهلينا وكل عداتنا |
|
قيد على خطواتنا مقدور |
من بين أبدينا وخلف ظهورنا |
|
سد يرد، وخندق محفور |
نشتد نرتاد الطريق فيلتوى |
|
ويعيدنا لمكاننا ويدور |
ونسير سير الواقفين فنكتوى |
|
تعبا ونحسب أن ذاك مسير |
نهتز فى عرض الطريق .. يردنا |
|
لما نهم إلى التقدم سور |
وكأننا أسرى الكواسر أرغمت |
|
فتدور فى أقفاصها وتثور([ix]) |
وعن أسباب هزيمة المسلمين فى العصر الحديث يقول:
يا سيدى طال الزمان وطوحت |
|
بالمسلمين زعازع نكباء |
جهلوا حقائق دينهم فتبوأوا |
|
فى الأرض حيث يبوأ الجهلاء |
......... |
|
|
مستضعفون فبعضهم متخبط |
|
خلف القطيع وبعضهم عملاء |
مدوا إلى الأعداء كف ضراعة |
|
يا حسرتى هل يعطف الأعدء؟([x]) |
وهنا يعتقد الشاعر أن خلاصنا إنما يكون بالإيمان بالله، فلديه سبحانه هدايتنا، وهو نعم المجير لعباده الصالحين .. يقول:
وخلاصنا يارب فى إيماننا |
|
فى النور .. حين يؤودنا الديجور |
فلديك يارحمن محراب الهدى |
|
فيه إذا عز المجير مجير([xi]) |
(3) دعوة للكفاح والجهاد فى سبيل الله :
إن الشاعر محمد التهامى يرى أن الكفاح سبيل السعادة، يقول:
وعلى الكفاح المر يسعد مسلم |
|
إيمانه بين الضلوع مكين ([xii]) |
وفى قصيدة داعى الجهاد - وقد كتبها عام 1948م - يدعو المسلمين لمقاومة أعداء الله من اليهود، والدفاع عن المسجد الأقصى والقدس الشريف، يقول:
زحف اليهود بجبنهم وبغدرهم |
|
وتبادروا يتقاسمون الشاما |
وهناك فى القدس الشريف تطاولوا |
|
وتألهوا واستعبدوا الأقواما([xiii]) |
ثم يقول:
يامعشر الإسلام ذلك دينكم |
|
جعل الحياة مع الخضوع حراما |
هذى دياركم فموتوا دونها |
|
أو فاتركوها للعدو مقاما |
داعى الجهاد دعا الغداة جموعكم |
|
فتهيأوا واستنفروا النواما([xiv]) |
وهو فى قصيدة القدس يذكر أن ترك الجهاد إحدى الكبائر ، يقول:
ومن هانت القدس فى دينه |
|
يكون كمن هان حتى كفر |
وترك الجهاد إذا ما استبيح |
|
بلاط الشعائر إحدى الكبر([xv]) |
كما يصرح التهامى أن طريق النبى صلى الله عليه وسلم هو طريق الكفاح وأن حياة المسلمين حياة كريمة عزيزة، ومن ثم فالشاعر يهاجم بعض المسلمين الذين ضلوا سبيلهم، ورضوا بالذل والهوان .. يقول:
والحق يامولاى حق واضح |
|
لكن أعين بعضنا عمياء |
ضلوا سبيل المسلمين وتاجروا |
|
بشعارهم والمسلمون براء |
لو يفتحون عيونهم لبدت لهم |
|
مما شرعت محجة بيضاء |
ورأوا حياة المسلمين عزيزة |
|
لا منة فيها ولا استجداء |
......... |
|
|
ورأو طريقك بالكفاح مخضبا |
|
لا هدأة فيه ولا إبطاء ([xvi]) |
ثم هو يؤكد على وحدة الصف، وينكر المذاهب الهدامة التى تؤدى إلى الصدام، وتتصارع لتمزيق الأمة، يقول:
كل المذاهب والآراء مشرعة |
|
تبغى الصدام ولا تأبه لعقباه |
يصارعون على خلف يمزقنا |
|
نحن الضحايا بلا ذنب جنيناه |
.......... |
|
|
ونحن نؤمن أن الدين مرحمة |
|
وديننا الحب والرحمن أوحاه |
ومن أضر بصف كان يجمعنا |
|
ففى جهنم – مهما كان - مثواه([xvii]) |