العدد 50
(2) الأسلوب:
وتتناول الدراسة هنا محورين هما:
- الظواهر الأسلوبية فى شعره.
- تنوع أساليب الشاعر بين الخبر والإنشاء.
ومن ثم يدور الحديث على النحو التالى:
المحور الأول: الظواهر الأسلوبية فى شعره:
يتضافر بالديوان عدد من الظواهر الأسلوبية تسهم جميعها فى الارتقاء بالشعر فنيا، منها:
- التناص.
- توظيف أحداث السيرة النبوية الشريفة.
- استدعاء الشخصيات التراثية.
- التكرار.
وإليك بيان ذلك:
( أ ) التناص :
التناص أحد أسرار الجمال فى شعر محمد التهامى عامة، وفى هذا الديوان خاصة، والشاعر هنا يتناص مع القرآن الكريم، والحديث الشريف، والشعر العربى..
- التناص مع القرآن الكريم:
كثيرا ما يتناص الشاعر مع القرآن الكريم، مما يزيد شعره روعة وجمالا، فثمة تناص مع قوله سبحانه:﴿ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﴾([i])، حيث يتحدث عن الله سبحانه قائلا:
هذا الجلال له، وليس كمثله |
|
شيء تبارك قدرة ومقاما([ii]) |
كما يتناص الشاعر مع قوله سبحانه: ﴿ ﮃ ﮄ ﮅ ﴾([iii])، حيث يتحدث عن النبى صلى الله عليه وسلم وصحابته الذين مضوا فى طريق الحق والخير طائعين مخلصين قائلا:
فمضوا فيه كراما ، نورهم |
|
يتمناه الكرام الكاتبون ([iv]) |
وهو أيضا يتناص مع قوله سبحانه: ﴿ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﴾ ([v])، حيث يدعو المؤمنين أن يقصدوا سبل التوفيق ويمضوا فى ركب الحق قائلا:
ماذا عن الحق؟ قد طال الزمان بنا |
|
حتى نسينا فضل الركب مسعاه |
فيمموا سبل التوفيق وانطلقوا |
|
حتى نرى الركب بسم الله مجراه ([vi]) |
والشاعر أيضا يتناص مع قوله سبحانه: ﴿ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ﴾([vii])، وذلك حيث يتحدث عن المؤمن الصادق قائلا:
تتضاءل الدنبا - أمام عيونه - |
|
فمتاعها مهما يكون غرور ([viii]) |
- التناص مع الحديث الشريف:
فالشاعر يتناص مع الحديث الشريف الذى يرويه أبوهريرة رضى الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها"([ix])، وذلك حيث يقول فى مطلع قصيدته داعى الجهاد:
يا ربنا جدد لنا الإسلاما |
|
فالهول فى بلد العروبة قاما ([x]) |
كما يتناص الشاعر مع الحديث الشريف الذى يرويه ثوبان رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ، قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل يا رسول الله وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت"([xi])، وذلك حيث يتحدث الشاعر عن مسلمى العصر قائلا:
الدار دارهم تعج بخيرها |
|
لكنهم فى دارهم غرباء |
سلبت بلادهم وشرد بعضهم |
|
والآخرون وقد علمت غثاء ([xii]) |
- التناص مع الشعر العربى:
ففى مطلع هذا الديوان وفى قصيدة أنا مسلم نلمس تناصا مع قول طرفة بن العبد:
إذا القوم قالوا: من فتى خلت أننى |
|
عنيت فلم أكسل ولم أتبلد ([xiii]) |
وذلك حيث يقول الشاعر:
إن قال داعى الحق من يتقدم؟ |
|
فأنا الحقيقة كلها أنا مسلم ([xiv]) |
وشتان بين الشاعرين، فطرفة يفخر بنجدته، وجسارته، وإسرافه فى الشهوات، أما التهامى فيفخر بانتمائه لهذا الدين العظيم الذى شرفنا الله به.
كما نلمس بالقصائد تأثرا بالشاعر أحمد شوقى، وتناصا خفيا مع بعض أبياته، لاسيما مع قصائده التى على حرفى الروى الهمزة والقاف من بحر الكامل .
(ب) توظيف أحداث السيرة النبوية الشريفة:
فالشاعر يستثمر حادثة الفيل مبينا أن لله جنودا تؤيد دينه وتزود عن حرماته وتنصر أولياءه، يقول الشاعر:
لله فى اليوم الشديد عساكر |
|
قد لا ترى وتؤيد الإسلاما |
انسيتم؟ والفيل فى أصحابه |
|
يرمون بيتا فى الحجاز حراما |
كيف ارعوى والطير فى أعقابه |
|
ترمى من الحجر الأصم سهاما([xv]) |
كما يذكرنا الشاعر بموقف النبى صلى الله عليه وسلم الرافض لإغراءات المشركين ، حيث أغروه بالمال والملك كى يترك دعوته .. فأبى وقال – فيما يرويه ابن إسحاق - كلمته الشهيرة مخاطبا عمه أبا طالب: "والله لو وضعوا الشمس فى يمينى، والقمر فى يسارى، على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه، ما تركته"([xvi])، يقول:
قد كان أحمد يؤذى فى رسالته |
|
حتى الملائك ناجت فيه مولاه |
.......... |
|
|
وذاق فى الحق ما لو ذاقه جبل |
|
لاندك حتى استوى فى الأرض أعلاه |
لا يترك الحق، لو ألقوا بميمنه |
|
شمس الضحى وأحلوا البدر يسراه |
قالوا لك الجاه والأموال قال لهم |
|
لا المال يعدل إيمانى ولا الجاه |
فالله يملك هذا الكون قاطبة |
|
ما أعظم الله ياقومى وأغناه([xvii]) |
(ج) استدعاء الشخصيات التراثية:
يستدعى الشاعر فى هذا الديوان قائدين من قادة الإسلام العظام أحدهما سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضى الله عنه، والثانى الفاتح البطل صلاح الدين الأيوبى رضى الله عنه، فأما خالد فقد ورد ذكره فى قصيدة القدس حيث يتحدث الشاعر عن انتفاضة شعبنا المسلم الأبى فى فلسطين، وعن أبطال الانتفاضة من الأطفال والنساء الذين يشبهون الطير الأبابيل، وعن حجارتهم التى تشبه حجارة السجيل، وقد جعل الشاعر للحجارة سهما يرمى به خالد رضى الله عنه يقول:
أيا قدس ديس المكان الجليل |
|
وغطى على الطهر رجس أشر |
|
|
|
ويحرسك المسلمون الصغار |
|
على حين خاف الكبار الخطر |
وحين تخلت عماليقنا |
|
تولى الصدام ذوات الخفر |
تسن العصافير منقارها |
|
وترمى على الدارعين الحجر |
وتهرع عند دوى الرصاص |
|
إلى عشها فى أعالى الشجر |
كأن الحصاة بمنقارها |
|
رمى خالد سهمها فانتصر |
كأن الأبابيل فى صفها |
|
تعبئ أحجارها من سقر([xviii]) |
وأما صلاح فقد ورد ذكره فى قصيدة أنا مسلم وفيها أيضا يتحدث الشاعر عن فلسطين الأبية، وانتفاضتها المباركة، وأطفالها الشوامخ، وحجارتهم الملتهبة، وهو يعتقد أن معركة العبور (العاشر من رمضان 1393هـ - السادس من أكتوبر1973م) أعادت إلي صلاح الدين الحياة من جديد فإذا بأعضائه تتحرك، ويجرى الدم بها، وإذا به يصيح فى الجنود مكبرا، ويضم رءوس الرجال يقبلها ويبتسم، يقول:
هذا صلاح الدين تحت لوائه |
|
أسد على أرض المعارك يجثم |
إنا نفضنا فى العبور ترابه |
|
فإذا به تحت الثرى يتبسم |
وعلى نداء الحرب هز مهاده |
|
فإذا به فى صمته يتكلم |
لما علا وهج الكفاح تحركت |
|
أعضاؤه وجرى بيابسها الدم |
ومضى يكبر فى صفوف جنودنا
|
|
ويضم هامات الرجال ويلثم |
إنا بنوه الوارثون فديننا |
|
ألق يضيء وعزمة تتقحم([xix]) |
( د ) التكرار:
وللتكرار فى شعر التهامى صور منها: تكرار الصدارة، ويكون فى صدر البيت كتكرار (الفعل) ألقاك فى المقطع الأخير من قصيدة صلاة حيث يخاطب التهامى الله سبحانه قائلا:
ألقاك فى الليل البهيم وفى الضحى |
|
ألقاك فى صحوى وفى غفواتى |
ألقاك فى الحق المجلجل فى دمى |
|
فى زحمة الدنيا وفى خلواتى |
ألقاك فى السراء عند سعادتى |
|
ألقاك فى البأساء والويلات |
ألقاك فى شكر يضيء بخافقى |
|
ألقاك فى صبرى وفى الغمرات |
ألقاك من حولى وبين جوانحى |
|
فى بسمتى تأتى وفى عبراتى ([xx]) |
ولا تخفى دلالة هذا التكرار على استعذاب التهامى لقاء الله سبحانه، وأنه يلقاه فى جميع أحواله، كما يوحى باستشعار التهامى معية الله فى كل وقت وحال.
ومن ذلك تكرار أداة الشرط كلما عدة مرات فى صدر المقطع الخامس من قصيدة صاحب الرسالة، وعنوانه الصراع وفيه يصور التهامى الصراع بين النبى صلى الله عليه وسلم وأهل الباطل يقول:
كلما ألقى إليهم سببا |
|
أوغلوا فى البعد عنه معرضين |
كلما أفحمهم قرآنه |
|
عاندوه فى لجاج لا يبين |
كلما خانتهم حجتهم |
|
عارضوه فى عناد الخاسرين ([xxi]) |
إن هذا التكرار يوحى بتعدد مواقف الدعوة، واستنفاذ النبى جميع السبل بها، كما يوحى بتكرار عنادهم وإصرارهم على ما هم فيه من كفر، وعلى الجانب الآخر سعة صدره صلى الله عليه وسلم وصبره الطويل فى طريق الدعوة إلى الله.
كما يكرر الشاعر الضمير أنت فى مخاطبته للحسين رضى الله عنه قائلا:
فلأنت من نور النبوة نفحة |
|
قدسية الأنسام والأضواء |
|
||
ولأنت يا بطل الفداء حكاية |
|
تروى لكل مفاخر بفداء([xxii]) |
وتكرار الضمير أنت قد يأتى فى حشو البيت، وذلك حيث يخاطب الشاعر النبى صلى الله عليه وسلم مادحا إياه بمحاربته أهل الضلال، فإن جنحوا للسلم كان مسالما متسامحا، يقول:
وإذا أريد السلم، كنت مسالما |
|
ولأنت أنت سلامة وصفاء ([xxiii]) |
وقد يأتى التكرار فى عجز البيت مثل تكرار الضمير هم فى ختام قصيدة أنا مسلم، حيث يحدثنا التهامى عن الأبطال من أبناء صلاح الدين الذين ورثوا الكفاح والجهاد فى سبيل الله، وعزماته فيهم تخاطب الأيام مفتخرة بالعرب الأباة، يقول:
وتقول للأيام مهما تفعلى |
|
بالناس فالعرب الأباة هم هم ([xxiv]) |
المحور الثانى: تنوع الأساليب بين الخبر والإنشاء:
تنوعت الأساليب الشعرية فى الديوان بين الخبر والإنشاء، على النحو التالى:
( أ ) الأساليب الخبرية:
استخدم الشاعر الفعل الماضى ليفيد التحقق والثبوت، كما استخدم الفعل المضارع ليفيد التجدد والاستمرار واستحضار الصورة، وذلك حيث يقول الشاعر:
زحف اليهود بجبنهم وبغدرهم |
|
وتبادروا يتقاسمون الشاما ([xxv]) |
وتأمل روعة الفعلين الماضيين ( زحف – تبادروا ) فى البيت السابق، فالأول أفاد تحقق الزحف، والثانى أفاد سرعته وتسابقهم إلى الغنيمة فى ظل غفلة مسلمى العصر، ثم تأمل روعة الفعل المضارع (يتقاسمون)، فاليهود لم يفرغوا بعد من تقسيم الشام بل لا يزالون يتقاسمونها، وهو حقا ما نعيشه من واقع مؤلم فى هذه الأيام.
والشاعر يستخدم كم الخبرية كثيرا، ومن ذلك قوله عن العلم:
وكم شاد المدائن شامخات |
|
جبالا فى مرابضها تقر([xxvi]) |
كما لجأ الشاعر إلى عطف المترادفات، وهو مما يقوى المعنى ويؤكده، ومن ذلك عطف الهداية على الرشاد فى قوله:
أقبلت فى هذا المقام مصليا |
|
مستنجدا بالله فى ظلمائى |
فإذا الهداية والرشاد يردنى |
|
للحق فى ملأ من الأضواء ([xxvii]) |
وقد استخدم الشاعر اسم التفضيل، وذلك فى إطار المفاضلة بين مرادات الإنسان الروحية والبدنية، إذ مراد الروح حين تهدينا وتدفعنا للخير أعظم وأجل وأجمل من مراد البدن حيث يدفعنا إلى إشباع متطلباته المادية الفانية، يقول:
للروح دنياها التى تسمو بها |
|
ولو أن جهد الفكر عنها ضيق |
للخير تهدينا وتدفع خطونا |
|
والخير أجمل ما يراد ويعشق ([xxviii]) |
وتأمل التقديم والتأخير فى البيتين السابقين حيث قدم الخبر شبه الجملة للروح على المبتدأ دنياها بالبيت الأول، وقدمت شبه الجملة للخير على الفعل تهدينا، ولا يخفى ما فى هذا التقديم والتأخير من إعلاء لشأن الروح والخير معا.
كما نلمس التقديم والتأخير أيضا فى البيت:
ولى فى حمى الساجدين الكرام |
|
هناك فؤاد دعا واصطبر ([xxix]) |
إن تقديم الخبر شبه الجملة (لى) وقد جاء فى صدر البيت على المبتدأ فؤاد الذى جاء فى حشو الشطر الثانى من البيت دلالة قوية على مشاركة الشاعر للمسلمين فى فلسطين السليبة آلامهم إذ له فؤاد هناك بين الساجدين دعا الله أن ينصرهم واصطبر على ما هم فيه من ضيق وكرب.
كما أكثر الشاعر من أساليبب الشرط فى شعره، فمن ذلك قوله مخاطبا النبى صلى الله عليه وسلم:
إن شرق العلماء عنك وغربوا |
|
فإليك حتما منتهى الخطوات ([xxx]) |
وقد يأتى الشرط فى الشطر الثانى من البيت مع حذف الجواب لدلالة سياق البيت عليه كما فى مطلع قصيدة أزهار وأشواك:
دهر يمر وكم فى طيه عبر |
|
لو كان فى الناس من بالدهر يعتبر([xxxi]) |
وقد يجتمع أسلوبا شرط فى بيت واحد مثل قول الشاعر:
وقد رأى الحق أن البغى زاحمه |
|
وأن كيد ضحايا الكفر أضناه |
وأنه إن دعا فالناس فى صمم |
|
وإن تنادى فما للحق أفواه |

