العدد 50
(ب) الأساليب الإنشائية:
أما الأساليب الإنشائية فكثيرة أيضا فى هذا الديوان، ومنها:
- الأمر ومثاله فى الديوان:
قم يا محمد إن الله يبعثكم |
|
فامح الضلال وجاهد معشرا كفروا |
سر بالخليقة نحو النور منطلقا |
|
سلاحك الحق والآيات والسور |
وإن هم عارضوا فاحشد لحربهم |
|
جحافل الحق إن الحق منتصر ([i]) |
- الاستفهام:
وتتعدد أنواع الاستفهام بالديوان، فمنها استفهام الاستبعاد حيث يتحدث الشاعر عن النبى محمد صلى الله عليه وسلم قائلا:
وقام فرد ليدعو الناس كلهم |
|
ما يفعل الفرد والأعداء قد كثروا؟ ([ii]) |
كما يتحدث عن هجرة النبى صلى الله عليه وسلم قائلا:
ما حيلة النور قد سدت مسالكه |
|
وجردته الدياجى من مزاياه ؟([iii]) |
والاستفهام فى البيتين السابقين يوحى باستبعاد استجابة المشركين لدعوته صلى الله عليه وسلم، ونفاذ نور الحق إلى قلوبهم لو لم يكن النبى صلى الله عليه وسلم مؤيدا من الله سبحانه.
وقد يأتى الاستفهام فى حشو الشطر الأول مثل قول الشاعر مخاطبا الله سبحانه:
والصدق – ما قولى؟ – وأنت وضعته |
|
فأصاب فى قلبى رضا فأقاما ([iv]) |
وقد يخرج البيت الشعرى فى صورة سؤالي استفهام للترغيب كما فى البيت التالى متحدثا عن النبى محمد صلى الله عليه وسلم:
هل من يعيد إلينا بعض سيرته ؟ |
|
هل من قليل لدينا من سجاياه ؟([v]) |
- التمنى:
وأمنيات التهامى فى شعره أمنيات طيبة، وذاك نابع من ثقافته الإسلامية، والتزامه الدينى، فمن ذلك قوله متمنيا:
ياليتنا للروح نخلص جهدنا |
|
ونرود أبواب السماء ونطرق |
ونخلص الأرواح من مادية |
|
للشر فى دنيا الجهالة تسبق |
ونعيد للإسلام روحانية |
|
تهدى إلى الخير العميم وتغدق([vi]) |
- النداء:
حيث يخاطب الشاعر مقام الحسين بن على، مشخصا إياه، وكأنه إنسان يسمع ويرى ويرفع عن زائريه هموم الحياة وعناءها، قائلا:
يا مهبط النفحات والأضواء |
|
يا ملتقى الكرماء والسعداء |
ياظل جنات السماء بعالم |
|
يشقيه أن يحيا بغير سماء |
إن لم نزر قبر الرسول لبعدنا
|
|
فجوار هذا القبر خير عزاء([vii]) |
كما يأتى النداء بمعنى الدعاء ومنه قول التهامى:
يارب هب لى من لدنك سلاما |
|
أحيا به وأغالب الأياما |
..... |
|
|
يارب أنت ملأت كل جوانحى |
|
وملكت منى الفكر والإلهاما |
أدعوك ياربى دعاء صدقه |
|
وزن الجبال وعطر الأنساما([viii]) |
وقد يأتى النداء جملة اعتراضية كما فى هذا البيت:
كم تمادى - يا حبيبى - ظلمهم |
|
وأذاهم لكريم لا يهون ([ix]) |
وثمة ظاهرة – قلما يخلو منها ديوان شاعر - أختم بها الحديث عن الأسلوب فى ديوان أنا مسلم للتهامى، وهى ظاهرة التفاوت، فالقصائد والأبيات الشعرية لدي التهامى تتفاوت ، بل إنك لتجد البيت الشعرى الواحد يتفاوت قوة وجمالا فقد تجد صدر البيت أقوى من عجزه أو شطره الأول أقوى من شطره الثانى، ومثال ذلك قول الشاعر مادحا النبى محمد صلى الله عليه وسلم:
فرد وفى قلبه إيمان عالمه |
|
قد صانه - مثلما أوحى - وأداه ([x]) |
فالشطر الأول أقوى، فهو قائم بذاته ولا يحتاج لتمام معناه إلى المقطع الثانى، ومن ثم جاء الشطر الثانى تذييلا للبيت، وإن أضاف جديدا إلا أنه ليس بقوة الشطر الأول ..
(3) الموسيقى:
إذا تحدثنا عن الموسيقى الخارجية، فإن من يتصفح هذا الديوان يلحظ أن الكامل هو البحر الأثير لدى الشاعر محمد التهامى، فقد نظم أغلب قصائده عليه، فالديوان به تسع عشرة قصيدة كما سبق بيانه، نظم الشاعر ثلاث قصائد على البسيط، وهى: الهدى والضلال، أزهار وأشواك، المثل الأعلى، ونظم واحدة على المتقارب وهى: القدس، وأخرى على الوافر وهى: تسابيح، بينما نظم قصيدة صاحب الرسالة على بحر الرمل، أما بقية القصائد وعددها ثلاث عشرة قصيدة فقد نُظمت جميعها على بحر الكامل، وهذا أيضا مما يضاعف إحساسنا بتأثر التهامى بشوقى الذى كان ينظم جل قصائده أيضا على الكامل.
والتهامى بارع فى اختيار قوافيه، فمن ذلك فى قصيدة مع الله نجد أن القافية مطلقة ممتدة، فقد اتصل بحرف الروى (الميم) ألف الإشباع، إن هذا الاممتداد فى القافية يتناسب مع مضمون القصيدة حيث وضع الشاعر لها عنوانا هو (مع الله)، والعلاقة بالله سبحانه ممتدة ومتصلة مع الإنسان فى أطوار حياته وبعد موته، وحتى فى دار الجزاء ، كما أن الإشباع بالفتح يوحى بالسمو والارتقاء، وهذه طبيعة العلاقة مع الله سبحانه فارتباط المسلم بالله فيه رفعة لمكانته وسمو لمنزلته.
أما الموسيقى الداخلية فتتجلى فى عدة ظواهر يأتى فى مقدمتها استخدام الشاعر بعض المحسنات البديعية، ومنها:
(أ) التصريع:
فالتهامى فى شعره مغرم بالتصريع، - ويسمى براعة الاستهلال أو حسن الابتداء - وهو يستخدم هذا المحسن البديعى ببراعة فى جميع قصائد هذا الديوان، غير أن مطالعه أيضا تتفاوت جمالا وحسنا، ومن أروع هذه المطالع الجيدة مطلع قصيدة أنا مسلم، ومطلع قصيدة صلاة، وفيه يقول:
لما قصدتك ضارع الصلوات |
|
وصدقت يارباه فى دعواتى |
وصفا فؤدادى واستبد بخاطرى |
|
شوق إلى فيض من الرحمات |
وعبرت كل شوائبى وتلهفت |
|
للنور فى غسق الدجى نظراتى |
فإذا دعاء الصدق يفتح موصدا |
|
ويطوف بالآنوار فى العتبات |
وإذا بفضلك ياكريم يعمنى |
|
ويضيء كل خفية بحياتى ([xi]) |
ومطلع قصيدة فى نور الصيام، حيث يقول:
الصوم للإنسان طوق نجاة |
|
وطريقه الهادى إلى الجنات ([xii]) |
(ب) الجناس:
فمن ذلك الجناس الناقص بين الكلمات (علمتنى، ألهمتنى- جنبتنى، صنتنى)، مما يضفى جمالا على الشعر لما يحدثه من توازن وتناسق صوتى، كما فى هذه الأبيات التى يخاطب فيها التهامى الله جل وعلا، قائلا:
علمتنى سر الحياة وقدتنى |
|
للخير والتوفيق والبركات |
ألهمتنى سبل الرشاد وطالما |
|
ضلت على درب الهوى خطواتى |
جنبتنى الذلل الكبير وصنتنى |
|
من شهوة الدنيا ومن نزواتى ([xiii]) |
وانظر أيضا إلى الجناس الناقص بين ( الركن- الركين )، حيث يتحدث الشاعر عن حفظ الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ورعايته له، وتأليف قلوب الناس حوله قائلا:
لم يدعه قبل أن يودعه |
|
من قلوب الناس فى الركن الركين ([xiv]) |
(ج) الطباق:
نلمس الطباق فى عناوين بعض قصائد الشاعر فمن ذلك (الهدى والضلال، أزهار وأشواك)، وبتأمل قصائد الديوان نجد أن التهامى رحمه الله كان يتوكأ على الطباق فى كثير من شعره، وتأمل الطباق فى هذه الأبيات:
إلهى صغت آدم فى استواء |
|
به من صبغة الرحمن قدر |
فإن كان التراب لنا وعاء |
|
ففينا من نفيس الروح تبر |
وبين الروح والجسد التقاء |
|
لكل منهما فى الكون دور |
وحكمتك القديرة فى تلاق |
|
من الضدين لا يعروه جور |
فللعيش الذى نحياه شطر |
|
وللغيب الذى نرجوه شطر |
وتحت حمى رضائك، لا رجاء |
|
يخيب ولا طريق المجد وعر |
وترعانا المشيئة فى كفاح |
|
وراء العسر فى دنياه يسر ([xv]) |
كما يبدو طباق السلب فى مخاطبته للحسين بن على رضى الله عنه حيث يقول:
وقضيت لكن ما قضيت وإنما |
|
تحيا وتخلد فى الحياة وترزق([xvi]) |
(د) حسن التقسيم:
فالشاعر متأثرا بحديث سلمان رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يرد القضاء إلا الدعاء.." ([xvii]) يؤكد أن ملجأنا أمام قضاء الله وقدره تسليم قلب منيب ودعوة تطرق أبواب السماء، يقول الشاعر:
وملاذنا .. قلب يطيع .. ودعوة |
|
تسعى بأبواب السما تترامى([xviii]) |
(4) الصورة الشعرية:
كثرت الصور الشعرية فى هذا الديوان وتنوعت بين صور بسيطة وهو الغالب على الديوان، وصور مركبة، وأخرى كلية، فمن الصور البسيطة أن جعل الشاعر لرحمة الله سبحانه جناحا تستظل به القلوب الصادقة الطاهرة، يقول الشاعر مخاطبا الله سبحانه:
وتحت جناح رحمتك استكانت |
|
قلوب كلها صدق وطهر([xix]) |
ومن الصور المركبة تصوير الشاعر حضارة المسلمين بالشجرة العظيمة التى تضرب بجذورها فى الأرض الطاهرة بينما تمتد غصونها فوق هام السماء، ومن ثم فهى حضارة ربانية تخضع الأرض فيها للسماء، يقول الشاعر:
والمسلمون حضارة علوية |
|
الأرض فيها للسماء تدين |
إن كان فى جوف التراب جذورها |
|
فلها على هام السماء غصون ([xx]) |
ومن الصور الكلية تصوير الشاعر شعره – فى قصيدة مع الله - بأنه قلب يذوب تبتلا، ودعاء مشتاق، يرى ضياء الهداية فجرا يمزق ظلمات الشك، إنه يجاوز الإنسان فكأنه سكن النجوم، وهو يرى بنور الله، حتى إذا شفه النور أصبح غيمة تلقى بزمامها للرياح، يقول الشاعر متحدثا عن شعره:
يارب شعرى بالحقيقة هاما |
|
عبد اليقين ورتل الإلهاما |
فيقينه حب يفيض عبادة |
|
ودعاؤه شعر يضيء كلاما |
إن كان أجراه اللسان فإنه |
|
قلب يذوب تبتلا وهياما |
ودعاء مشتاق على درب الهدى |
|
يسعى ويكوى لهفة وغراما |
ويرى ضياء المهتدين حياله |
|
فجرا يمزق حوله الإظلاما |
فيهم يأتلق الضياء على الخطى |
|
يعلو وفوق ترابه يتسامى |
ويجاوز الإنسان يصبح فوقه |
|
وكأنه فى النيرات أقاما |
يمشى على الأعراف مشية مؤمن |
|
فاضت مشاعره رضى وسلاما |
فيرى بنور الله كونا سره |
|
فاق الشعور وجاوز الأفهاما |
ويشف فى الأنوار يصبح غيمة |
|
بيضاء ألقت للرياح زماما([xxi]) |