العدد 50
رحل الشاعر الكبير محمد التهامي آخر ما بقي من أجيال المدرسة التقليدية العريقة في الشعر العربي.. كان شاعرا متميزا بكل المقاييس حيث رصانة اللغة وفصاحة البنيان.
وكان رحمة الله عليه يجيد إلقاء شعره بصوته الجهوري، وعباراته المجلجلة التي كم أثرت في وجدان الجماهير ومسامعها!.. كان دائما شديد الود مع أصدقاء مشواره، وارتبط بعلاقات حميمة مع فرسان القصيدة العمودية.. رامي وصالح جودت وأحمد هيكل.
وقد اختار دائما موقفا لم يتغير في دفاعه عن القومية العربية، وقضايا الإنسان العربي، وكان شديد التعصب للقصيدة التقليدية، مدافعا عن اللغة العربية الفصحى، وخاض معارك كثيرة بسبب ذلك.. وقد دخل في صراعات طويلة مع قصيدة النثر، وكان يرفض كل ألوانها وكل شعرائها ولا يعترف بها..
منذ فترة طويلة غاب محمد التهامي، وحين سألت عنه عرفت أنه يمر بظروف صحية صعبة بعد أن طال به مشوار المرض ومشوار الحياة..
وقد تولى التهامي مناصب كثيرة في الصحافة وجامعة الدول العربية، وإن بقي الشعر قضية عمره وحياته..
وقد تناول في شعره موضوعات كثيرة خاصة قضايا العروبة والإسلام، حيث دافع كثيرا عن حلم الوحدة العربية، وقضى سنوات عمره مدافعا عن هذا الحلم، وكان من أكثر الشعراء العرب الذين تغنوا بالإسلام الدين والعقيدة..
وقد حصل التهامي على جوائز كثيرة في مصر والعالم العربي، وبقي حلمه في الحصول على جائزة النيل حلما مؤجلا.
كان محمد التهامي شديد الود مع أصدقائه من الشعراء، كثير الرفض لكل ما يتعارض مع قواعد وأصول الشعر العربي بتقاليده وأوزانه ولغته..
ومع رحيل محمد التهامي تفقد القصيدة العربية الرصينة واحدا من فرسانها الكبار، وصوتا من الأصوات التي دافعت عن حلم قديم يسمى الوحدة العربية، وقد بقي وفيا لهذا الحلم حتى آخر أيام حياته شعرا وموقفا وتاريخا.
كان التهامي آخر الأشجار العتيقة والعريقة في حديقة القصيدة العمودية التي مازالت تواجه عواصف الحداثة.