العدد 20
مازن عايض الجعيد- السعودية
ذهبت في رحلة إلى عُنيزة حيث مركز صالح بن صالح الاجتماعي، واطلعت على كتب الرواد في الأدب الإسلامي، وخرجت بهذه الأفكار:
أولا: مقال الالتزام الإسلامي في الأدب في كتاب المختار من محاضرات نادي القصيم الأدبي ببريدة للدكتور محمد بن سعد بن حسين عرف الأدب بقوله:
(هو دعوة إلى الأخلاق التي يبنى عليها العلاقات المتينة بين أفراد المجتمع، وهو السبيل الأمثل لرسم سبل النجاح في مستقبل أي أمة تنشد المستوى الأمثل لمجتمعها.
إن شرف الأديب هو تبيين فضائل المجتمع ونقائصه، ومعالجة الواقع بتنمية الفضائل والدعوة إلى التمسك بها، ومحاربة النقائص والدعوة إلى التخلص منها. وخروج الأديب عن هذا الإطار يخرج عن طبيعته، ويعتبر من الشذوذ الفكري الذي يصاب بها الكتاب.
والأديب إذا ضل فضرره مركب، فهو فرد من الجماعة تتأثر بما يصيبه من خير وشر، وهو قدوة يحتذى، وشر الناس من كان قدوة في الباطل.)
ثانيا: الموقف من الرومانسية، يقول الدكتور محمد بن سعد بن حسين:
(ما هي إلا هروب من الواقع وعجز أفقدهم القدرة على مواكبة الحياة بخيرها وشرها مما أفقدهم الإسهام في حل مشكلاتهم المعقدة، فراحوا يدفنون همومهم في متاهات الخيال. ومن ردة فعلهم الهجوم على المجتمع دون تقديم الحلول، وامتلأت نفوسهم حقدا وتشاؤما، ولو أنهم التمسوا الراحة والطمأنينة في الإيمان...
لقد فصلت العلمانية بين الروح والمادة، فعاش العالم الغربي في ضياع، وكلما زاد الضياع الفكري يلتمع الإسلام دائما بتحديد معالم الطريق. والإسلام عندما أنزل ليكون العقيدة الأخيرة دون تناقض...
أما الفلسفة الوجودية فهي تتبلور في كلمتين: التناقض والموت. والإسلام في قضايا الإنسان يمتاز معالجته بخطوط متوازنة بين فكري ونفسي دون طغيان.
الدعوة إلى الالتزام في الأدب تعطي نتائج مأمونة العواقب لأن الإسلام يقدم حلول المشكلات متوازنة بين فكري ونفسي وأخلاقي.)
ثالثا: يذكر أنور الجندي ضمن ندوة الأدب الإسلامي التي أقيمت في كلية اللغة العربية بالرياض من المدة 16-19/7/1405هـ عن أبرز المخاطر التي تواجها الأدب العربي
1- تبعية الأدب العربي للمفهوم الغربي للنقد، ومدارس النقد الأدبي تعتمد على خمس علماء وهم ( دارون، وماركس، وفرويد، وفريرز، وديوي) ومفهوم النقد ( تين، وبرونتير، وسانت بيف ) أن الإنسان مادي يخضع لظروف البيئة، وتسيطر عليه شهوتا الطعام والجنس استناد إلى نظرية دارون.
أما الأدب الإسلامي فيقوم على أن الإنسان روح ومادة.
2- محاولة محاكمة الأدب الذي يخرج من نفس مؤمنة تعرف المسؤولية الفردية، وأنها محاسب عليها يوم القيامة، وأن الإنسان روح ومادة, ومن ثم محاسبته وفق النظريات المادية والماركسية والفرويدية التي تعتبر الإنسان حيوانا.
3- كسر عمودية الشعر وإعلاء شان الشعر الحر المناهض للبلاغة القرآنية والحاقد عليها.
4- تقديم عدد ضخم من القصص هزيلة الأسلوب فاسدة المضمون تتصل بالفسق والزنا وتصويرها كأنها طبيعية، وترجمة قصص كثيرة من الأدب الفرنسي تستهدف الإثارة دون المنفعة. وقد أحصى يوسف أسعد داغر عشرة آلاف قصة ترجمت في أوائل الحرب العالمية الثانية.
5- ترجمة قصص تحاول التنقص من عظماء المسلمين أمثال صلاح الدين الأيوبي، وترجمة قصص لإدخال مفاهيم يهودية زائفة في النفس المسلمة. في المقابل حجبت ما يحتاجه المسلمون من المفاهيم التجريبية والطبيعية التي الأمة في حاجة إليها.
6- المؤمراة على عمود الشعر، عمود الشعر هو الركيزة الأساسية في بناء القصيدة، وكانت عاملا مهما في مواجهه النفوذ الأجنبي، وتعبئة النفوس في الأحداث. ودوره في وحدة العرب والمسلمين. فظهرت الدعوة إلى الشعر الذاتي (مدرسة الديوان) لإقصاء الشعر السياسي والاجتماعي لتبديد ذلك الصوت الضخم القوي الذي آزر الحركات الإسلامية والوطنية في مواجهه الاستعمار والنفوذ الصهيوني، وجاء شعر التفعيلة؛ هذه الدعوة حملها الماركسيون والشعوبيون لإخراج عمودية الشعر من كل الآثار الضخمة القوية التي تركت أثرها في المجتمع المسلم.
يقول عمر أبو ريشة عن هذه الظاهرة: إنها صناعة وافدة، وإن الصهيونية خلفها، وهدفها ملء الفراغ، ومنعهم من العودة إلى التراث.
من الدلائل أن شعرنا العربي طيلة حياته كان عموديا تمتد أكثر من ألفي عام، يقول الدكتور عبد المنعم خفاجي: إن كل التجديدات التي دخلت عليه كانت تلتزم بهذه العمودية أو تسير في إطارها طيلة تلك الفترة أكثر من ألفي عام أصبحت العمودية صورة فكر وتراث وحضارة أمة إلى أن جاء من يدعو إلى التخلي عن عمودية الشعر كليا للسير على نظام التفعيلة. يقول د.محمد محمد حسين: إن الشعر الحر في أصل نشأته شعبة من اتجاه عام يدعو إلى تقليد الغرب في فكره وحضارته، فإطلاق الشعر من القافية التي ظل يلتزمها طوال هذه القرون دعوة تستمد مبرراتها من الشعر الغربي الذي لم يعرف القافية إلا في حدود ضيقة من آثار احتكاكه وتأثره بالأدب العربي في الأندلس.
7- انحراف القصة، هناك فروق بين العربي والغربي من حيث الاستجابة للخيانة الزوجية واضطراب الأسرة، وهناك فروق وتباين من حيث التصرف إزاء الأحداث. فالقصة العربية تقوم على الصدق والإيجاز، والدعوة إلى الخلق والسمو والارتفاع فوق الأهواء. وهذه عناصر مضادة للقصة الحديثة، والعربي يقول كلمته في صراحة ووضوح، وهي عكس القصة المصطنعة التي تحتاج إلى الحبكة والمفاجأة والظلال والرموز، لأن العربي عقيدته تقوم على التوحيد أساسا، وهي بسيطة سمحة، لكن المذاهب الغربية تقوم على المعابد والأديرة التي تشرح للناس مقاصد معقدة، ولأن الذاتية العربية ومزاجها النفسي والاجتماعي قائم على البسيط السمح فقد اختفت من الأدب العربي المسرحية.
رابعا: مصطلح الأدب الإسلامي، عنوان الندوة الأدب الإسلامي بين أنصاره وخصومه للدكتور عبد الباسط بدر. عدم وجود المصطلح لا يديننا ولا يدينهم، فالمذاهب الأدبية لم تكن معروفة من قبل، ولا يمنع غيابها من التراث أن تستخدمها اليوم. ومصطلحات النقد الكثيرة مثل الشكل والمضمون، والصورة والإيقاع، لم ترد في أي كتاب نقدي قديم.
والأدب العربي كان يهتم بقضايا الإسلام والمسلمين، ولم يزاحمه أدب أخر يدعو إلى عقيدة مخالفة، أو يحاول سلخ المجتمع من العقيدة كما يحدث الآن.
ظهرت المذاهب الأدبية لتنشئ أنماطا متشابهة من آداب الشعوب المختلفة, وعندما جاءت المذاهب العقدية أوجدت روابط أقوى بين الأعمال الأدبية المتباعدة جغرافيا ولغويا. فالواقعية الاشتراكية قامت على الفلسفة المادية الجدلية، أعمالهم متوافقة ومتطابقة في مواقف ورؤى كثيرة, وكذلك أدب الوجودية تشابهت تصوراتهم وقضاياهم ورؤيتهم للحياة، وحقيقة الوجودية والواقعية الاشتراكية تجدها في قيم تفسير الحياة من وجهة نظر خاصة. هذا هو عمل العقائد السماوية أو الأيديولوجيات التي هي بدائل فكرية للعقيدة عند أصحابها.
والنتيجة المنطقية أن الإسلام يمنح الأدباء الملتزمين به فكرا وسلوكا قدرا كبيرا من التصورات الموحدة، وقدرا وافيا من القضايا والمواقف المتشابهة، ومن ثم فهو أقدر على بناء أدب متجانس السمات يبدعه أدباء في بلاد شتى، وينسب إليه، فيقال: أدب إسلامي، كما يقال: أدب وجودي.
***